كانَ يتضرع به إلى اللَّه وتركَ الدعاء. وعندئذ تكون الهاء في قوله: {إِلَيْهِ} لها وجهان: الأول: أن تكون من ذكر ما. والثاني: أن تكونَ من ذكر الربّ سبحانه.
وقوله: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ}. أي: ليقتدي به الجهال، وليكون أسوة في الكبر والعجب، فيأخذ بذلك إثم كل من اقتدى به. فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه وأحمد في مسندهِ عن أبي هريرةَ، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعَهُ، لا يَنقصُ ذلكَ من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبِعه، لا ينقص ذلكَ من آثامهم شيئًا] (?).
وقوله: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ}. أي: عش في سكرة العجب ونفخة الكبر من إبليس وأعوانه، فإنما هي أيام تقضيها في هذه الحياة الدنيا ثم تُردُ إلى أشدِّ العذاب ونكال العقاب.
وقوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
لقد قرأ القراء {أَمَّنْ} على وجهين:
الوجه الأول: هو قراءة بعض أهل المدينة والبصرة والكوفة بتشديد الميم {أَمَّنْ} بمعنى أم من هو، وجواب هذا الاستفهام متروك يفسره السياق والبيان، لأنَّ الخبر كان يجري عن فريق الكفر ثم أتبع الخبر عن فريق الإيمان فعُلِم المرادُ والفرق بين حال الفريقين. وهذه القراءة قراءة الحسن وأبي عمرو وعاصم والكسائي.
الوجه الثاني: هو قراءة قراء الكوفة، وبعض أهل المدينة ومكة بالتخفيف (أمَنْ) وعندئذ تكون الألف على احتمالين:
الاحتمال الأول: أنها ألف استفهام، والتقدير: أهذا كالذي قبله ممن جعل للَّه أندادًا.
الاحتمال الثاني: أنها ألف النداء، والتقدير: يا من هو قانت آناء الليل، فإن العرب تنادي بالألف أحيانًا كما تنادي بِيَا فتقول: أزيد أقْبِلْ ويا زيدُ أقبل. وعلى هذا المعنى قرأها نافع وابن كثير والأعمش وحمزة.
قلت: وكلاهما قراءتان مشهورتان دار تأويل المعنى عليهما.