لم يجبرهم عليه، وهو ردّ على القدرية والجبرية فإن اللَّه علم ذلكَ وكتبه في اللوح المحفوظ كتابة علم لا جبر فيها ولا قهر، كما قال جل ثناؤه: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}، وكقوله سبحانه: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}.
وفي سنن البيهقي بسند حسن عن عبد اللَّه بن عمر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إن اللَّه لو شاءَ أنْ لا يُعصى ما خلق إبليس] (?).
وأصل هذا المعنى في الصحيحين واللفظ للإمام مسلم عن علي رضي اللَّهُ عَنْهُ قال: [خرجنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في جنازةٍ فلما انتهينا إلى بقيعِ الغَرْقَدِ قعدَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقعدنا حوله فأخذ عودًا فنكت به في الأرض ثم رفع رأسهُ فقال: ما منكم من نفسٍ منفوسةٍ إلا قد علم اللَّهُ مكانها من الجنةِ والنار، شقيةً أم سعيدة. فقال رجل من القوم: يا رسول اللَّه أفلا ندع العمل، فنتكل على كتابنا، فمن كان من أهل السعادة صار إلى السعادة، ومن كان من أهل الشقاوةِ -يعني- صار إلى الشقاوة؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: اعملوا فكل ميسر، من كان من أهل السعادة يُسر لعملها، ومن كان من أهل الشقاوةِ يُسر لعملها] (?).
وله شاهد عند ابن أبي عاصم في "كتاب السنة" رجاله ثقات رجال الشيخين عن أبي هريرة: [أن عمر بن الخطاب رضي اللَّهُ عنهُ قال: يا رسول اللَّه: أنعمل في أمر نَأْتَنِفُهُ: أم في أمر قد فرغ منه؟ قال: بل في أمرٍ قد فرغ منه. فقال: ففيم العمل؟ فقال: يا عمر. كلا، لا يدرك إلا بعمل. قال: فالآن نجتهد يا رسول اللَّه] (?).
وفي رواية: عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب أنه قال: [قلت يا رسول اللَّه: أرأيت عملنا هذا على أمر قد فرغ منه أم على أمر نستقبله؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: بل على أمرٍ قد فرغ منه. قال عمر: ففيمَ العمل؟ فقال رسول اللَّه: كلا، لا يُنالُ إلا بعمل. فقال عمر: إذن نجتهد]- ورجاله ثقاتٌ.
وكذلكَ أخرجَ ابن أبي عاصم في "السنة"، والآجري، والبيهقي في "الأسماء