القرطبي: (وهذا مذهب أبي عبيدة. أي لا تمنعهُ الظلمةُ كما تمنع المخلوقين).
قلت: والتأويل الأول هو الأشهر بين المفسرين واختارهُ ابن جرير وابن كثير رحمهما اللَّه تعالى.
وقوله: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}. أي: هذا الذي فعل هذه الأفعال وخلق هذه المراحل من الخلق هو ربكم أيها الناس الذي يملكُ الخير والشر فمالكم تصرفون إلى من لا يجلب لنفسهِ ولا لكم نفعًا ولا يدفعُ عنها ضرًا.
قال ابن جرير: (فأما ملوك الدنيا فإنما يملكُ أحدهم شيئًا دونَ شيء، فإنما له خاص من الملك، وأما الملك التام الذي هو الملك بالإطلاق فلله الواحد القهار، فأنى تصرفون أيها الناس فتذهبون عن عبادة ربكم الذي هذه الصفة صفتهُ إلى عبادة من لا ضر عنده ولا نفع). وبهذا المعنى جاءت الآثار عن التابعين، فعَنْ قتادة: ({فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} قال: كقوله: {تُؤْفَكُونَ}). وعن السدي: ({فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} قال للمشركين: أين تصرف عقولكم عن هذا؟ ).
وقوله: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}.
أي: إن تكفروا باللَّه أيها الكفار به فاعلموا أن اللَّه غني عنكم وعن إيمانكم ولا تزيد عبادتكم في ملكهِ وجبروته، فقد خضعت له السماوات والأرض وما بينهما، وأشفقت من أمره الجبال والبحار والشجر والدواب وكثير من الناس، فمن طغى منهم فسيهينه وماله من مكرم، ولكنه سبحانهُ يحب الإيمان والمؤمنين، ويحب الطاعةَ والإخبات والمخبتين، ويحب الشكر والشاكرين، وهيأ لهم ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، والكل محتاجٌ إلى رحمته ورضوانهِ وجنتهِ.
والآية تشبه قوله تعالى في سورة إبراهيم: {وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}. فعن السدّي: ({وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} قال: إن تطيعوا يرضه لكم).
قال القرطبي: (وقيل لا يرضى الكفر وإن أرادهُ، فاللَّه تعالى يريدُ الكفر من الكافر وبإرادته كفر لا يرضاه ولا يحبه فهو يريد كون ما لا يرضاه، وقد أراد اللَّه عز وجل خلق إبليس وهو لا يرضاه، فالإرادةُ غير الرضا. وهذا مذهب أهل السنة).
قلت: وهذا تفسير صائب، فإن اللَّه يريد ويشاء ما لا يحب ويحب ما لا يشاء، فهو خلق إبليس وشاء ذلكَ مع أنه لا يحبهُ، وكذلكَ يحب الإيمان للطغاة والمستكبرين ولكنه