قلت: ولا تعارض بين هذا الحديث والذي قبله، فالذي قبله يفسره بأن اللَّه إنما يبعث الملك فيهيِّئ هذا الخلق إلى حين يأتي الأمر بنفخ الروح وكتابة الرزق والعمل والأجل وهو بعد أن تمر النطفة بالأطوار الثلاثة: أربعين يومًا نطفة، وأربعين يومًا علقة، وأربعين يومًا مضغة، أي بعد أربعة أشهر، واللَّه تعالى أعلم.

الحديث الثالث: يروي ابن أبي عاصم في كتاب السنة عن أبي الطفيل قال: كان عبد اللَّه بن مسعود يحدث في المسجد: أن الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره. قال: فأتيتُ حذيفة بن أُسَيْدٍ الغفاري فقلت: ألا تعجب من عبد اللَّه بن مسعود يحدث في المسجد: إن الشقي من شقي في بطن أمهِ والسعيد من وعظ بغيره! قال: فما بالُ هذا الطفيل الصغير. قال: لا تعجب. سمعتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مرارًا ذات عدد يقول: [إن النطفةَ إذا وقعت في الرحم أربعين ليلةً، وقال أصحابي: خمسة وأربعين ليلة، نفخ فيه الروح، قال: فيجيء ملك الرحم فيدخل فيصور له عظمه ولحمه، ودمه وشعره، وبشره وسمعهُ وبصره ثم يقول: أي رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي اللَّه إليه فيه، ويكتب الملك، فيقول: أي رب أشقي أم سعيد؟ فيقضي اللَّه إليه ما يشاء، ويكتب الملك، ثم يقول أي رب أثره؟ فيقضي اللَّه تعالى، ويكتب الملك، فيقول: أي رب أجله؟ فيقضي اللَّه ما يشاء، ويكتب الملك، ثم تُطوى تلك الصحيفة فلا تُمسُّ إلى يوم القيامةِ]. وإسنادهُ صحيح على شرط الشيخين (?).

وقوله: {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} فيه أكثر من تأويل:

التأويل الأول: يعني ظلمة الرحم والمشيمة والبطن. فعن عكرمة ({فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} قال: البطن والمشيمة والرحم). أي ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة، كما قال السدي: (ظلمة المشيمة وظلمة الرحم وظلمة البطن). وقال الضحاك: (الرحم والمشيمة والبطن، والمشيمة التي تكون على الولد إذا خرج، وهي من الدواب السَّلى).

التأويل الثاني: يعني ظلمةُ المشيمة والرحم والليل. فعن سعيد بن جبير قال: (ظلمة المشيمة وظلمة الرحم وظلمة الليل).

التأويل الثالث: قيل: ظُلمة صُلبِ الرجل وظلمة بطن المرأة وظلمة الرحم. قال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015