{يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} يعني إلى قيام الساعة وذلكَ إلى أن تكوّر الشمس وتنكدر النجوم). وقال القرطبي: ({وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} أي بالطلوع والغروب لمنافع العباد: {كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي في فلكه إلى أن تنصرم الدنيا وهو يوم القيامة حين تنفطر السماء وتنتثر الكواكب).
قلت: وكلا المعنيين تحمله الآية فالشمس والقمر يجريان في منازلهما إلى يوم يحدث الله تغييرًا في حركتهما ويأمرهما بخلافِ ما كان أذن لهما. ففي صحيح الإمام مسلم عن أبي ذر: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [أتدرون أينَ تذهبُ هذه الشمس؟ إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرشِ، فتخرّ ساجدةً، فلا تزالُ كذلكَ حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئتِ، فترجعُ، فتصبحُ طالعةً من مطلعها، ثمَّ تجري، حتى تنتهيَ إلى مستقرِّها تحت العرش، فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئتِ، فترجعُ فتصبحُ، طالعةً من مطلعها، ثم تجري، لا يستنكر الناس منها شيئًا، حتى تنتهى إلى مستقرها ذاك تحتَ العرش، فيقال لها: ارتفعي، أصبحي طالعةً من مَغْربِكِ، فتصبح طالعةً من مغربها، أتدرون متى ذاكم؟ حين {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}] (?).
وفي صحيح الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي اللهُ عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [الشمس والقمرُ يكوّرانِ يومَ القيامةِ]. وله شاهد عند البيهقي عنه ولفظه: [الشمس والقمر ثوران مكوَّرانِ في النار يوم القيامةِ. فقال الحسن: وما ذنبهما؟ فقال أحدثك (?) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! فسكت الحسن] (?).
وقوله: {أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّار}. قال ابن جرير: (ألا إن الله الذي فعل هذه الأفعال وأنعم على خلقهِ هذه النعم هو العزيز في انتقامهِ ممن عاداه، الغفار لذنوب عبادهِ التائبين إليهِ منها بعفوهِ لهم عنها). أي فهو مع عزتهِ وكبريائهِ وجبروتهِ وقدرتهِ يتوب على من أنابَ إليهِ، وأقبل راجيًا مستغفرًا ما قدم بين يديه.
وقوله: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}. يعني خلقكم من آدم ثم أخرجكم من صلبه، وخلق حواء زوجة أبيكم آدم من ضِلعٍ من أضلاعِهِ عليه السلام. كما قال جل