التأويل الأول: قيل التكوير الطرح والإلقاء. ففي لغة العرب: التكوير طرح الشيء بعضه على بعض. قال الرازي: (وتكويرُ المتاع جمعهُ وشده. وتكوير العِمَامة كَوْرها). ويقال: كوّر المتاع أي ألقى بعضهُ على بعض، ومنه قول الضحاك في الآية: (يلقي هذا على هذا، وهذا على هذا).

التأويل الثاني: التكوير نقصان أحدهما وزيادة الآخر. قال ابن عباس: (ما نقص من الليل دخل في النهار، وما نقص من النهار دخل في الليل). ويشبه ذلكَ قولهُ في سورة آل عمران: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ}

التأويل الثالث: التكوير: التغشية، أي يذهب أحدهما ضوء الآخر. قال قتادة: (يغشى هذا هذا، ويغشى هذا هذا). فتكوير الليل على النهار تغشيته إياه حتى يذهب ضوءه، ويغشى النهار على الليل فيذهبُ ظلمته. كما قال سبحانه: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا}.

التأويل الرابع: التكوير مجيء أحدهما وذهاب الآخر. كما قال السدي: (يجيء بالنهار ويذهب بالليل، ويجيء بالليل ويذهب بالنهار).

قلت: وكلها تأويلات متقاربة تدل على رحمة الله بعباده إذ يدخل الليل في النهار ثم يدخل النهار في الليل وينقصُ من طول أحدهما ويزيدُ في الآخر على مدار السنة ليختبر عباده في تقربهم ومختلف أحوالهم، وليسكنوا في الليل إذا جاء وقد ذهب النهار وما فيهِ من مشقةٍ وعملٍ، ثم ليمتحنهم مرة أخرى بذهاب الليل ومجيء النهار.

وقوله: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}. فيه معنيان:

المعنى الأول: الأجل المسمى المنازل الخاصة بكل منهما ووقت بلوغها.

قال الكلبي: (يسيران إلى أقصى منازلهما، ثم يرجعان إلى أدنى منازلهما لا يجاوزانه). أي لكل واحد منهما منازل، لا تعدوه ولا تقصر عنه، فيكونُ معنى الأجل المسمى: الوقت الذي ينتهي فيه سير الشمس والقمر إلى المنازل المرتبة لغروبها وطلوعها.

المعنى الثاني: الأجل المسمى يوم القيامة.

قال ابن جرير: (وسخر الشمس والقمر لعباده ليعلموا بذلكَ عدد السنين والحساب ويعرفوا الليل من النهار لمصلحة معاشهم. {كُلٌّ} ذلكَ يعني الشمس والقمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015