يرسله الله على الكافرين المستكبرين المكذبين. وفيه معان متقاربة:
المعنى الأول: سبقت كلمتنا لهم بالسعادة. قال الفراء: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ}. قال: أي: بالسعادة).
المعنى الثاني: أراد بالكلمةِ قوله سبحانه: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} - ذكره القرطبي، وأورد قول الحسن: (لم يُقْتَل من أصحاب الشرائع قط أحد).
المعنى الثالث: لهم الغلبة بالحجج الدامغة. فعن السدي: ({وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ} قال: يقول: بالحجج).
المعنى الرابع: سبق لهم منا القضاء والحكم بالنصر والغلبة. فعن قتادة: ({وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} قال: سبق هذا من الله لهم أن ينصرهم).
قال ابن جرير: (أي مضى بهذا منا القضاء والحكم في أم الكتاب، وهو أنهم لهم النُّصرة والغلبة بالحجج، قال: وإن حزبنا وأهلَ ولايتنا لَهم الغالبون. قال: يقول: لهم الظفر والفلاح على أهل الكفر بنا والخلاف علينا).
وقال ابن كثير: (أي: تقدم في الكتاب الأول أن العاقبة للرسل وأتباعهم في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21]. ولهذا قال تعالى: {إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ} أي في الدنيا والآخرة).
قلت: هذه الآيات تجمع النصر والفوز بكل أشكاله في الدنيا والآخرة. فإن القيام بمنهج النبوة منهج الحق والدفاع والذود عن حماه يرافقه سعادة في الدنيا وسعادة في الآخرة. كما إن الدفاع عنه يتطلب علمًا بهذا المنهج، وكلما ازداد أهله علمًا به فتح الله عليهم من الحجج الدامغة وأسباب إحباط محاولات الباطل أكثر وأكثر، لتصفى الغلبةَ في النهاية للرسل ولأتباعهم، وليبقى الباطل مذعورًا حتى ينهزم، كما قال جل ثناؤه: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51]. وكما قال جلت عظمته: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110].
أخرج الإمام أحمد في المسند، وأبو نعيم في الحلية، بإسناد صحيح عن أنس،