ويقرأ: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} استووا، تقدم أنتَ يا فلان، تأخر أنتَ أي هذا، فإذا استووا تقدّم فكبر).

وقوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.

فقد كان مشركو مكةَ قبل البعثة يكثرون من القول: لو أن عندنا كتابًا من السماء كالتوراة والإنجيل، أو جاءنا نبي كما أتى اليهود والنصارى لكنا من الذين أخلصهم الله لعبادتهِ وارتضاهم لمنهجه واختارهم لجنته. فكانوا إذا عُيِّروا بالجهل قالوا: {لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ}.

فعن السُّدّي قال: (هؤلاء ناسٌ من مشركي العرب قالوا: لو أن عندنا كتابًا من كتب الأولين أو جاءنا علمٌ من علم الأولين؟ قال: قد جاءكم محمد بذلك).

وعن ابن عباس: (قوله: {لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}. قال: لما جاء المشركين من أهل الكتاب ذكرُ الأولين وعلم الآخرين كفروا بالكتاب {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}. يقول: قد جاءكم محمد بذلك فكفروا بالقرآن وبما جاء به محمد).

وقال الزجاج: ({فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}: يعلمون مغبة كفرهم).

قلت: وهذه حال أكثر الأمم التي دمّرها الله في الدنيا، يدّعونَ حب الحق ولكنهم قومٌ خاضعون لأهوائهم لا يستطيعون الخروج من سيطرتها، لأنهم قد واجهت قلوبهم أمراضٌ ما دافعوها منذُ نشأتها، حتى إذا ترعرعت وكبرت وانطبعت حركاتهم وسكناتهم بها، واندمجت بسلوكهم وأفعالهم بحيث لا يستطيعون التخلص منها، فإذا ما أشرق لهم نور من الحق وكادوا ينتصرون له، انتكسوا متقهقرين أمام ضغط الشهوات والكبر والعجب وظهر عُوار ادعائهم وقبح ما وصلوا إليهِ، وفي الآخرة يخزيهم ربهم إذ يحاولون الادعاء من جديد، ويرجون من الله العودة إلى الدنيا والعمل بما يرضيه، فيقول سبحانه يكذبهم في صدق ادعائهم: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}.

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}.

إن قوله هذا سبحانه بشرى للمؤمنين، وأمل يبعثه في قلوب المرسلين، وهو وعيد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015