وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 5 - 10].
وقد علم الله أسماء هؤلاء أهل الجنة وأسماء قبائلهم ومجموعهم. وأسماء أولئكَ أهل النار وأسماء قبائلهم ومجموعهم.
فقد أخرج الإمام أحمد في المسند، بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو رضي اللهُ عَنْهُما قال: [خرجَ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يدهِ كتابان، فقال: أتدرون ما هذان الكتابان؟ قال: قلنا لا إلّا أن تُخْبِرَنا يا رسول الله، فقال للذي في يدهِ اليمنى، هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أُجْمِلَ على آخرهم، فلا يُراد فيهم ولا يُنقصُ منهم أبدًا. ثم قال للذي في شماله، هذا كتاب من رب العالمين، فيهِ أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا يُنقصُ منهم أبدًا. فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فلأي شيء إذن نَعْمَلُ إن كان هذا أمرًا قد فُرغَ منه؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سدِّدُّوا وقاربوا، فإن صاحب الجنةِ يختم له بعمل أهل الجنةِ وإن عمل أي عمل، وإنّ صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل، ثم قال بيده فقبضها، ثم قال: فرغ ربكم عز وجل من العباد، ثم قال باليمنى فنبذ بها فقال: فريق في الجنةِ، ونبذ باليسرى فقال: فريق في السعير] (?).
وقد استوفيت هذا المفهوم في كتابي: أصل الدين والإيمان، عند الصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ - في أبحاث القدر - فلله الحمد والمنة.
وأما أصل الفتنة في اللغة فهو الاختبار والامتحان. تقول (فَتَن) الذهب يفتنه فِتنة إذا أدخله النار لينظر ما جَوْدتُه، ويسمى الصائغ (الفتّان) وكذا الشيطان. وافتُتِنَ الرجل وفُتِنَ فهو مفتون إذا أصابته فتنةٌ فذهب مالهُ أو عقلُهُ. و (فَتَنّهُ تفتينًا) فهو (مُفَتَّن) أي مفتون جدًّا.
وقوله تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ}. أي: مقام في العبادةِ وموضع في السجود ومكان مخصوص في السماوات، كل قد علم مقامه في العبادة لا يتجاوزه ولا يتعداه، وكل قد علم تسخيرهُ وواجبه الذي خلقه الله وأراده له.
وعن ابن زيد: (قوله: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ}، قال: هؤلاء الملائكة).