قال ابن جرير: (ولقد علمت الجنة أن الذين قالوا: إن الملائكة بنات الله لمُحضرون العذاب، إلا عباد الله الذين أخلصهم لرحمته وخلقهم لجنته).
وقوله تعالى: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ}.
قال الحسن: (ما أنتم عليه بمضلين إلا من كان في علم الله أنه سيصلى الجحيم).
ذكره ابن جرير.
فإن "ما" بمعنى الذي، وقيل بل هي مصدرية، والتقدير: فإنكم وعبادتكم لهذه الطواغيت. وقيل: فإنكم مع ما تعبدون من دون الله. وقوله: {بِفَاتِنِينَ} أي بمضلين.
قال ابن كثير: (أي إنما ينقاد لمقالتكم وما أنتم عليه من الضلالة والعبادة الباطلة من هو أضل منكم ممن ذُرئ للنار: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}. فهذا الضرب من الناس هو الذي ينقادُ لدين الشرك والكفر والضلالة، كما قال تبارك وتعالى: {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} أي إنما يضل به من هو مأفوك ومبطل).
وفي هذه الآية ردٌّ على القدرية كما أشار القرطبي رحمه الله، وذكر عن عمرو بن ذر قال: (قدمنا على عمر بن عبد العزيز فَذُكِرَ عنده القدر، فقال عمر: لو أراد الله ألّا يعصى ما خلق إبليس وهو رأس الخطيئة، وإن في ذلكَ لعلمًا في كتاب الله جل وعز، عرفه من عرفه، وجهله من جهله، ثم قرأ: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} إلا من كتب الله عز وجل عليه أن يصلى الجحيم. وقال: فَصَلت هذه الآية بين الناس، وفيها من المعاني أن الشياطين لا يصلون إلى إضلال أحد إلا من كتب الله عليهِ أنه لا يهتدي، ولو علم الله جل وعز أنه يهتدي لحال بينه وبينهم).
قلت: والآية تشبه قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}، وقوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. فاللهُ سبحانهُ علم ما كان وما يكون وما سيكون وما لن يكون لكن إن قُدِّر وكان كيف سوف يكون، وكتب ذلك كله في اللوح المحفوظ، فلا يضل إلا من سبق في علم الله وكتابته أنه ضال مستهزئ بالحق، ولا يهتدي إلا من سبق في علم الله وكتابته أنه يستحق الهداية وهو محب معظم للحق. قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7 - 10]. وقال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)