بجلال الله فتعالى الله عما وصفوا وعما اكتسبوا علوًا كبيرًا.
وقوله: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ}. فيه تأويلان:
التأويل الأول: قائلوا هذا القول يعلمون أنهم لَمُشْهدون الحساب.
فعن مجاهد: ({وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ}: أنها ستُحْضَر الحساب).
التأويل الثاني: قيل إن قائلي هذا القول سيُحضرون العذاب في النار.
فعن السدي: ({إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} قال: إن هؤلاء الذين قالوا هذا لمحضرون معذبون).
وقال قتادة: (لمحضرون في النار). واختاره القرطبي وقال: (لأن الإحضار تكرر في هذه السورة ولم يرد الله به غير العذاب).
قلت: والراجح عندي ما يجمع المعنيين معًا. فإن الجن قد علموا على ألسنة الرسل أنهم مجموعون ليوم لا ريبَ فيهِ، واقفون بين يدي الله سبحانه، هم ومن كان يعبدهم من دون الله بما أشركوا مع بعضهم بالله، كما قال جل ثناؤه في سورة الأنعام: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: 128].
وكقوله سبحانه في السورة نفسها: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130)} [الأنعام: 130].
ثم إن الملائكة تعلم مصير المشركين بالله المستهزئين بأسمائه وصفاته أنهم قادمون لمعاينة الحساب ونيل نكال العقاب.
وقوله تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}.
أي: تعالى الله وتنزه وتقدس عما يصفهُ الظالمون من أن يكون له ولد أو نسب مع الملائكة أو الجن، وتبارك فهو خالقهم جميعًا، وهو العزيز الأحد الصمد لا إله إلا هو، وسيعلم الملحدون بأسمائه وصفاته ما ينالهم يوم يُفْرَزُون في عرصات القيامة، وينجي الله المخلصين أتباع الرسل المتبعين للحق المنزّل، الذي نزل على كل نبي مرسل، والمنصفين في وصفهم لله كما وصف نفسه بوصف مجمل أو مفصّل.