التفسير الثالث: لولا أنه من الجائرين إلى الله بالدعاء والتضرع، لاستمر مكوثه في بطن الحوت إلى يوم القيامة.
فعن ميمون بن مهران قال: سمعت الضحاك بن قيس يقول على منبره: (اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشّدة، إن يونُس كان عبدًا لله ذاكرًا، فلما أصابته الشدة دعا الله فقال الله: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}. فذكره الله بما كان منه، وكان فرعون طاغيًا باغيًا: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}. قال الضحاك: فاذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة) ذكره ابن جرير.
وعن سعيد بن جبير: ({فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} قال: قال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. فلما قالها قذفه الحوت وهو مغرب).
وعن قتادة: (قوله: {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} قال: لصار له بطن الحوت قبرًا إلى يوم القيامة). قال مجاهد: (التقمه ضحى ولفظه عشية).
التفسير الرابع: قيل إن ذلك كان تسبيحًا لا صلاة. قال القرطبي: (والأظهر أنه تسبيح اللسان الموافق للجنان). واحتج بحديث رواه الطبري عن أبي هريرة وفيه: "فسبح في بطن الحوت، فسمعت الملائكة تسبيحه، فقالوا: يا ربنا إنا نسمع صوتًا ضعيفًا بأرض غريبة .. ".
قلت: والراجح عندي بمجموع هذه التفاسير أن يونس صلوات الله وسلامه عليه لما نزل به الكرب سارع إلى الله بالتوجه والتسبيح والتضرع والدعاء، فاعترف لله العظيم بذنبه ثم قال: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]. فكان دعاءً فيه ذكرٌ وتسبيح وتذلل واعتراف بالذنب جمع ألوان الخير كلها.
فقد أخرج الحاكم بسند صحيح لغيره، عن سعد قال: [كنا جلوسًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ألا أُخْبِرُكُم بشيءٍ إذا نزل برجل منكم كَرْبٌ أو بلاءٌ من بلايا الدنيا دعا به يُفْرَجِ عنه؟ فقيل له: بلى، فقال: دعاءُ ذي النون: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}] (?).