قال قتادة: ({فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ}، قال: فاحتبست السفينة، فعلم القوم أنما احتبست من حدث أحدثوه، فتساهموا فَقُرعَ يونس فرمى بنفسه فالتقمه الحوت).
والدَّحْضُ في لغة العرب أصله من الزلق. والإدحاض: الإزلاق. يقال: دَحَضَتْ رجْلُهُ أي زَلقَتْ، ودَحَضْتُ حُجَّتَهُ أي أبطلتها، فقوله: {فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} أي: من المسهومين المغلوبين. فعن مجاهد: (قوله: {مِنَ الْمُدْحَضِينَ} قال: من المسهومين). وقال السدي: (من المقروعين). وقوله: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ}. أصل الالتقام الابتلاع. يقال: (لَقِمَ اللُّقْمةَ) إذا ابتلعها، و (تلقّمها) ابتلعها في مُهلة، و (لقَّمها) غيره (تلقيمًا). فالمقصود أن الحوت قد ابتلعه من اللَّقم وهو البلع.
وقوله: {وَهُوَ مُلِيمٌ}. أي: مستحق للوم مكتسب له قد أتى بما يلام عليه.
يقال: (ألام) الرجل إذا أتى بما يلام عليه، والملوم هو الذي يلام استحق ذلك أو لم يستتحق. وقيل: المليم المعيب، لام فلان فلانًا إذا عمل شيئًا معيبًا.
فعن مجاهد: (قوله: {وَهُوَ مُلِيمٌ} قال: مذنب).
وقوله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}. في مفهوم {الْمُسَبِّحِينَ} تفاسير:
التفسير الأول: لولا أنه كان من الذاكرين الله في الرخاء ما نجّاه في البلاء.
فعن قتادة: ({فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ}. قال: كان كثير الصلاة في الرخاء فنجّاه الله بذلك. قال: وقد كان يقال في الحكمة: إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا ما عَثَر فإذا صُرعَ وجد متكئًا).
التفسير الثاني: لولا أنه كان من المسبحين أي المصلين، للبث في بطنه إلى يوم يبعثون.
قال القرطبي: (أي عقوبة له، أي يكون بطن الحوت قبرًا له إلى يوم القيامة).
واختلف كم أقام في بطن الحوت. قيل أربعين يومًا، وقيل عشرين، وقيل سبعة أيام، أو ثلاثة أيام، وقيل ساعة واحدة، وليس في ذلك خبر صحيح، والعبرة ليست بذلك، والله تعالى أعلم.
وإنما المهم أنه التجأ إلى الله سبحانه بالصلاة والعبادة ليكشف عنه. قال سعيد بن جبير: ({فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ}: قال من المصلين).