وقصته عليه السلام مذكورة في القرآن في ثلاث سور: في الأنبياء والصافات وفي سورة (ن). فقد بعثه الله إلى أهل نينوى بالموصل فدعاهم إلى الله العظيم فتمادوا فخرج مغاضبًا لهم ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث، فلما رأوا الأمر كذلك وقد علموا أن الرسل لا تكذب خرجوا إلى الفلاة والصحراء بأطفالهم ونسائهم وأنعامهم ومواشيهم وفرقوا بين الأمهات وأولادها ثم جاروا إلى الله متضرعين متذللين، ورغت الإبل وفصلانها، وخارت البقر وأولادها، وثغت الغنم وسخالهم، فكشف الله عنهم العذاب ورفعه سبحانه كما قال في سورة يونس: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98)} [يونس: 98].
وأما يونس عليه الصلاة والسلام فقد أتى البحر فركب مع قوم في سفينة فهاج البحر بها وأشرفوا على الغرق وظنوا أنهم هالكون إن لم يتخففوا من أحمالهم، فاقترعوا على رجل يلقونه ليخفف الحمل فوقعت القرعة على يونس عليه السلام ثلاث مرات.
قال الحافظ ابن كثير: (فقام يونس عليه السلام وتجرد من ثيابه، ثم ألقى نفسه في البحر، وقد أرسل الله سبحانه من البحر الأخضر - فيما قاله ابن مسعود - حوتًا يشق البحار حتى جاء فالتقم يونس حين ألقى نفسه من السفينة، فأوحى الله إلى ذلك الحوت أن لا تأكل له لحمًا، ولا تهشم له عظمًا، فإن يونس ليس لك رزقًا، وإنما بطنك تكون له سجنًا) ذكره عند تفسيره سورة الأنبياء. وأما في الصافات فقال: (ولما استقر يونس في بطن الحوت ظنّ أنه قد مات ثم حرك رأسه ومدّ رجليه وأطرافه فإذا هو حي، فقام فصلى في بطن الحوت وكان من جملة دعائه: يا رب اتخذت لك مسجدًا في موضع لم يبلغه أحد من الناس).
قلت: وأَبَقَ في لغة العرب أي هرب، ومنه قولهم أبق العبد يأبِقُ ويأبُقُ فهو آبق إذا هرب وتباعد. وقيل: إنما قيل ذلك ليونس عليه السلام لأنه خرج بغير أمر الله عز وجل مستترًا من الناس. فانضم إلى أهل تلك السفينة المشحونة والمملوءة والموقرة بالأحمال. كما قال جل ثناؤه: {إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}.
قال قتادة: (كنا نحدَّث أنه الموقر من الفُلك). والفلك يذكر ويؤنث ويعني السفينة.
وأصل المساهمة من السهام التي تُجال. والسَّهم واحد السِّهام. والسَّهم أيضًا النصيب والجمع السُّهْمانُ. والمُسَهَّمُ البُرْد المخطَّط. و"ساهمه" أي قارعه و"أسهم" بينهم أي أقرع. و"استهموا" أي اقترعوا، و"تساهموا" أي تقارعوا. ذكره أهل اللغة.