فالتقمه الحوت في الماء وعلم أنه قد عاجل قومه فسارع إلى استدراك الأمر فلزم الاستغفار والاعتراف لله بالمن والفضل وكان من المسبّحين، فنجاه الله بتسبيحه ورحمته إنه هو الرحمان الرحيم، وأخرجه إلى أرض لا نبت فيها وهو مريض سقيم، فأنبت عليه شجرة من يقطين، أظلته وأكل من ورقها وقد كان إدئه أرسله إلى مئة ألف أو يزيدون، فآمنوا فمتعهم الله إلى وقت آجالهم ومنتهى أعمارهم. فإلى تفصيل ذلك.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}. وفي الكرب العظيم تأويلان:
التأويل الأول: من الكرب العظيم وهو الرق الذي لحق ببني إسرائيل.
قال قتادة: ({وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} قال: من آل فرعون).
التأويل الثاني: من الكرب العظيم وهو الغرق الذي أهلك الله به فرعون وقومه.
قال السدي: ({مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} من الغرق).
وجمعًا بين القولين: قال ابن جرير رحمه الله: (ولقد تفضلنا على موسى وهارون ابني عمران فجعلناهما نبيَّين ونجَّيناهما وقومهما من الغمِّ والمكروه العظيم الذي كانوا فيه من عُبودة آل فرعون، ومما أهلكنا به فرعون وقومه من الغرق).
ثم قال سبحانه: {وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ}. فأخرجه مخرج الجمع مع أن المراد موسى وهارون في قوله: ({وَنَجَّيْنَاهُمَا} أن المقصود بقوله: {وَنَصَرْنَاهُمْ} أي هم وأتباعهم من المؤمنين. ثم إن العرب تذهب أحيانًا بالأمير والرئيس والنبي إلى الجمع بأتباعه وحاشيته وجنوده إذا كان المقصود ذلك، وبالإفراد إذا كان المقصود نفسه، وفي القرآن ما يشبه هذا كقوله جل ثناؤه: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} [يونس: 83].
فقال: {مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ} وقال في موضع آخر: {وَمَلَإئْهِ}. فكلا المعنيين قائم والله تعالى أعلم.
وقوله: {وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ}. قال قتادة: (التوراة ويعني بالمستبين: المتبين هدى ما فيه وتفصيله وأحكامه). واستبان في لغة العرب بمعنى تبيّن الأمر حتى صار بَيِّنًا مستبينًا.
وقوله: {وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}. أي طريق النجاة في الدنيا والآخرة وهو