وقوله: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}. أي نجزيهم بالخلاص من الكرب والشدائد والمصائب في الدنيا والآخرة. ثم أصل البلاء: الاختبار. ويكون في الخير والشر. فبقوله: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ}. قال ابن زيد: (وهذا من البلاء المكروه). أي الأمر بذبح الولد، فكان بلاء فيه شدة ومحنة عظيمة.
وقوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}.
أصل الفدية الجزاء، والذبح اسم المذبوح. وذكر ابن جرير عن اليهودي الذي أسلم من علماء يهود فسأله عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد: أيُّ ابْنَيْ إبراهيم أُمِرَ بذبحه؟ فقال: (إسماعيل، والله يا أمير المؤمنين، وإن يهود لتعلم بذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه والفضل الذي ذكره الله منه لصبره لما أمر به، فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه إسحاق لأن إسحاق أبوهم).
قلت: ويؤيد هذا قوله سبحانه في الآية بعدها: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}.
أي إن الكلام الأول كان عن إسماعيل ثم جاء ذكر إسحاق.
ففداه الله سبحانه بذبح عظيم. قال مجاهد: (الذبح العظيم: شاة، وقال العظيم: المتقبل). وفي قوله {عَظِيمٍ} تفاسير:
التفسير الأول: لأنه كان رعى في الجَنَّة. فعن ابن عباس: (رعى في الجَنَّة أربعين خريفًا).
وفي رواية قال: (خرج عليه كبش من الجَنَّة، وقد رعى قبل ذلك أربعين خريفًا).
التفسير الثاني: عظيم القدر. قال النحاس: (عظيم في اللغة يكون للكبير والشريف).
وقال القرطبي: (أي عظيم القدر ولم يرد عظيم الجثة، وإنما عظم قدره لأنه فُدي به الذبيح أو لأنه متقبل، قال: وأهل التفسير على أنه هاهنا للشريف أو المتقبل).
التفسير الثالث: عظيم أي عظيم الأجر متقبل عند الله. فعن مجاهد: (العظيم: النفيس).
التفسير الرابع: قيل عظيم لأنه ذِبْحٌ ذُبِحَ بالحق وذلك ذبحه بدين إبراهيم.