كثير: (أي استسلما وانقادا، إبراهيم امتثل أمر الله، وإسماعيل امتثل طاعة الله وأبيه).
وكلا المعنيين يحتمله البيَان الإلهي، فالتأويل بأحدهما سالك قائم.
وقوله: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} فيه معان متشابهة، منها:
المعنى الأول: صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه ولا يشاهد وجهه عند ذبحه.
قال مجاهد: (وضع وجهه للأرض. قال لا تذبحني وأنت تنظر إلى وجهي عسى أن ترحمني ولا تجهز على، اربط يديّ إلى رقبتي ثم ضع وجهي على الأرض).
وقال الجوهري: (أي صرعه كما تقول كبّه لوجهه).
وأصل التّل في كلام العرب: الدفع والصرع. قال ابن عباس: (معناه كبَّه على وجهه). قال ابن جرير: ({وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}، يقول: وصرعه للجبين، والجبينان ما عن يمين الجبهة وعن شمالها، وللوجه جبينان والجبهة بينهما).
المعنى الثاني: أي صرعه وحوّل وجهه إلى القبلة.
فعن قتادة: ({وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} قال: كبّه وحوّل وجهه إلى القبلة).
وخلاصة القول: أنَّ إبراهيم وإسماعيل انقادا لأمر الله، فانقاد إبراهيم ليمتثل الوحي، وانقاد إسماعيل لطاعة الله وطاعة أبيه صابرًا محتسبًا، فكبه إلى الأرض ووجهه إلى القبلة وأراد مباشرة الأمر: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}.
رُوي أن الشيطان عرض لإبراهيم عند جمرة العقبة ليفتنه عن الأمر فرماه بسبع حُصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الأخرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم مضى إبراهيم لأمر الله. رُوي ذلك عن ابن عباس.
فلما أخذ إبراهيم عليه الصلاة والسلام الشفرة ليمتثل أمر الله فداه الله سبحانه.
قال ابن عباس: (التفت فإذا كبش فأخذه فذبحه). وقال مجاهد: (ذُبح بِمِنى في المَنْحَر). وقيل: (ذبح بالمقام).
فصدق إبراهيم الرؤيا وامتثل أمر الله فجعل له من أمره فرجًا ومخرجًا، كما قال جل ثناؤه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 2، 3].