وفي صحيح البخاري من حديث أنس - في الإسراء -: [والنبي - صلى الله عليه وسلم - نائمة عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم] (?).
وله شاهد عن ابن سعد في الطبقات من حديث عطاء مرسلًا بلفظ: [إنا مَعْشَرَ الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا] (?).
ولقد قرأ عامة قراء المدينة والبصرة: {مَاذَا تَرَى} بفتح التاء: أيْ أيُّ شيء تأمر، أو ماذا ترى من الرأي. في حين قرأ ذلك الكوفيون بالضم: "ماذا تُرى" أي ماذا تشير وماذا تُرى من صبرك أو جزعك من الذبح؟ ولم يقل له ذلك على وجه المؤامرة في أمر الله وإنما شاوره ليعلم صبره لأمر الله أو لتقرّ عينه إذا رأى من ابنه طاعة في أمر الله. وإلا فهو ماض في كل الأحوال لأمر الله، ولكن الغلام تألق في جوابه وإيمانه: {يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}.
ولقد كثر التأويل في أمر الذبح، فمنهم من قال: ذبحه وقال الله أكبر، فقال الذبيح: لا إله إلا الله. ومنهم من قال: انقلبت السكين، ومنهم من قال: كلما قطع جزء التأم، أو قال وجد حلقه نحاسًا. وكل ذلك لا دليل عليه. قال القرطبي: (وهذا كله جائز في القدرة الإلهية، لكنه يفتقر إلى نقل صحيح، فإنه أمر لا يدرك بالنظر وإنما طريقه الخبر).
ثم قال سبحانه: {فَلَمَّا أَسْلَمَا}. وفيه تفاسير:
التفسير الأول: أي أسلما وانقادا لأمر الله. وقرأها ابن مسعود: "فلما سَلَّما" أي فوّضا أمرهما إلى الله. قال ابن عباس: (استسلما). وقال السدي: (أسلما لأمر الله).
التفسير الثاني: أي أسلم أحدهما نفسه لله وأسلم الآخر ابنه.
قال عكرمة: (أسلما جميعًا لأمر الله ورضي الغلام بالذبح ورضي الأب بأن يذبحه. فقال: يا أبت اقذفني للوجه كيلا تنظر إليّ فترحمني، وأنظر أنا إلى الشفرة فأجزع ولكن أدخل الشفرة من تحتي وامض لأمر الله، فذلك قوله: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}. فلما فعل ذلك: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}). وقال قتادة: (أسلم هذا نفسه لله وأسلم هذا ابنه لله). وقال ابن إسحاق: (أي سلم إبراهيم لذبحه حين أمر به، وسلم ابنه للصبر عليه حين عرف أن الله أمره بذلك فيه). وقال ابن