التأويل الرابع: (السعي: سعي العبادة). فعن ابن زيد قال: (هو السعي في العبادة).

وعن ابن عباس قال: (صام وصلى، ألم تسمع الله عز وجل يقول: {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: 19]).

التأويل الخامس: (السعي: سعي العقل). قال الحسن: (هو سعي العقل الذي تقوم به الحجة).

قلت: وجمعًا بين التفاسير المتشابهة يكون المعنى: أنَّه لما ترعرع الغلام ووصف بالعقل والحلم وحسن العبادة، وفهم واقع الحياة والعمل، وشابه أباه إبراهيم عليه السلام في السعي والحركة رأى إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه في منامه أنه يؤمر بذبحه فاستشاره قائلًا:

{قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}.

وذلك ليعلم ما عنده من العزم والصدق لا ليخيّره في أمر الله إذ رؤيا الأنبياء حق.

قال قتادة: (رؤيا الأنبياء حق إذا رأوا في المنام شيئًا فعلوه). وقال عبيد بن عمير؟ (رؤيا الأنبياء وحي ثم تلا هذه الآية: {أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}).

قال ابن كثير: (أعلم ابنه ليكون أهون عليه وليختبر صبره وجلده وعزمه في صغره على طاعة الله وطاعة أبيه. قال: امض يا أبت لما أمرك الله من ذبحي، سأصبر وأحتسب عند الله وصدق فيما وعد).

قال مقاتل: (رأى ذلك إبراهيم عليه السلام ثلاث ليال متتابعات). قيل: رأى إبراهيم عليه السلام في ليلة التروية كأن قائلًا يقول: إن الله يأمرك بذبح ابنك. فلما أصبح روَّى في نفسه أي فَكَّرَ أهذا الحلم من الله أم من الشيطان؟ فسمّي يوم التروية. فلما كانت الليلة الثانية رأى ذلك أيضًا فلما أصبح عرف أن ذلك من الله فسمي يوم عرفة. ثم رأى مثله في الليلة الثالثة فَهَمَّ بنحره فسمي يوم النّحر.

والخلاصة: لقد رأى إبراهيم عليه السلام في منامه الأمر له بذبح ابنه، وعلم أنه لا بد أن يمتثل الأمر، فإن رؤيا الأنبياء حق. قال محمد بن كعب: (كانت الرسل يأتيهم الوحي من الله تعالى أيقاظًا ورقودًا، فإن الأنبياء لا تنام قلوبهم).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015