سبحانه: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف: 20] أي زاهدين من الزاهدين.
قال الحافظ ابن كثير: ({رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ}: يعني أولادًا مطيعين يكونون عوضًا عن قومه وعشيرته الذين فارقهم).
وقوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}. أي: بغلام يكون حليمًا في كبره يوصف بالحلم إذا هو كَبِر، وأما في الطفولة فلا يوصف عادة بذلك.
وعن عكرمة: ({فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} قال: هو إسحاق). وعن قتادة: (بُشر بإسحاق. قال: لم يُثْنَ بالحلم على أحد غير إسحاق وإبراهيم).
ويبدو أن الراجح هو إسماعيل عليه السلام (?) وهو أكبر من إسحاق، وهذا ما رجَّحه ابن كثير في التفسير. قال النسفي: (انطوت البشارة على ثلاث: على أن الولد غلام ذكر، وأنه يبلغ أوان الحلم لأن الصبي لا يوصف بالحلم، وأنه يكون حليمًا - وأي حلم أعظم من حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح فقال: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}).
وخلاصة القول: أنَّ الله سبحانه قد استجاب دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فوهبه ولدًا صالحًا متسعَ الصدر حسنَ الصبر والإغضاء في كل أمر، موصوفًا بالحلم وهو رأس الصلاح وأصل الفضائل، والراجح أنه إسماعيل صلوات الله وسلامه عليه، وقد سبق له من الله الثناء العطر في سورة مريم حيث قال جل ثناؤه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 54، 55].
وقوله: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} فيه أكثر من تأويل:
التأويل الأول: أي شبَّ حتى شابه أباه في السعي. قال مجاهد: (لما شَبَّ حتى أدرك سعيُه سَعْيَ إبراهيم في العمل).
التأويل الثاني: (السعي: المشي). قال قتادة: (أي لما مشى مع أبيه).
التأويل الثالث: (السعي: الاحتلام). فعن ابن عباس: ({فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} قال: هو الاحتلام).