أي إنهم تشاوروا في أمره لما غلبهم بحجته فقالوا: اصنعوا له بنيانًا تملؤونه حطبًا فتضرمونه ثم ألقوه في ذلك الجحيم. والجحيم في لغة العرب: جمر النار بعضه على بعض والنار على النار.
قال النسفي: ({فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ}: في النار الشديدة. وقيل كل نار بعضها فوق بعض فهي جحيم).
وقال قتادة: ({فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ}. قال: فما ناظرهم بعد ذلك حتى أهلكهم. {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}: ذاهب بعمله وقلبه ونيته).
وفي هذه الآية الكريمة تفاسير:
التفسير الأول: أي مهاجر من بلد قومي ومولدي، ومن حيث يعصى الله ويشرك به إلى حيث يعبد الله وحده لا شريك له، فأتمكن من عبادته لا إله إلا هو.
قال ابن جرير: (يقول: إني مهاجر من بلدة قومي إلى الله. أي إلى الأرض المقدسة ومفارقهم فمعتزلهم لعبادة الله). وقال مقاتل: (هو أول من هاجر من الخلق مع لوط وسارّة إلى الأرض المقدسة وهي أرض الشام).
قال القرطبي: (هذه الآية أصل في الهجرة والعزلة. وأول من فعل ذلك إبراهيم عليه السلام، وذلك حين خلصه الله من النار. {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي}. أي مهاجر من بلد قومي ومولدي، إلى حيث أتمكن من عبادة ربي فإنه {سَيَهْدِينِ} فيما نويت إلى الصواب).
التفسير الثاني: أي ذاهب بعملي وقلبي ونيتي.
قال قتادة: ({وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}، قال: ذاهب بعمله وقلبه ونيته).
التفسير الثالث: قيل: قاله لمن هاجر معه من أهله ترغيبًا منه لهم.
التفسير الرابع: قيل: قاله لمن فارقه من قومه توبيخًا منه لهم.
التفسير الخامس: قيل: قال هذا قبل إلقائه في النار، أي ذاهب إلى ما قضاه على ربي، أو ذاهب إلى ربي، أي ميت لتصوره أنه سيموت بإلقائه في النار على المعهود من أمرها بإتلاف ما يلقى فيها. ويكون عندئذ قوله: {سَيَهْدِينِ} أي إلى الخلاص منها أو إلى الجَنَّة.
قلت: والراجح من ذلك أنه اعتزلهم صلوات الله وسلامه عليه، وترك المكان الذي