فالمعنى الأول يشمل بقية المعاني، فالله تعالى كتب في اللوح المحفوظ أفعال العباد كتابة علم لا جبر فيها، وفرغ من مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض.
أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن عبادة بن الوليد بن عبادة قال: حدثني أبي، قال: [دخلت على عبادة وهو مريض أتخايل فيه الموت فقلت: يا أبتاه أوصني واجتهد لي. فقال: أجلسوني، فلما أجلسوه قال: يا بني إنك لم تطعم الإيمان ولم تبلغ حق حقيقة العلم بالله حتى تؤمن بالقدر خيره وشره. قلت: يا أبتاه! وكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، يا بني إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن أول ما خلق الله القلم، ثم قال له: اكتب. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة. يا بني إن مت ولست على ذلك دخلت النار] (?).
وله طريق آخر في المسند عنه بلفظ: [دعاني أبي حين حضره الموت فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب. قال: يا رب وما أكتب؟ قال: اكتب القدر ما هو كائن إلى الأبد] (?).
وفي رواية: [اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة].
وفي لفظ: [اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة].
فقواعد الإيمان بالقدر عند المؤمنين - أهل الحديث - ثلاثة، وهي صفات الله الحسنى: (العلم، والحكمة، والعدل). وقد فصلتها بأدلتها في بحث أركان الإيمان بالقدر في كتابي: أصل الدين والإيمان - عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولله الحمد والمنة.
وقوله تعالى: ({قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ}.
قال ابن جرير رحمه الله: (ذُكر أنهم بنوا له بنيانًا يشبه التنور، ثم نقلوا إليه الحطب وأوقدوا عليه).