وأما قوله: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} ففيه تفاسير:
التفسير الأول: أنْ تكون "ما" مصدرية، أي تكون مع الفعل مصدرًا أو بمعنى المصدر، والتقدير عندئذ: (والله خلقكم وعملكم).
التفسير الثاني: أن تكون "ما" بمعنى الذي، أي في محل نصب. فيكون التقدير حينئذ: (والله خلقكم والذي تعملون منه الأصنام وهو الخشب والحجارة والنحاس وبقية المواد التي كانوا ينحتون منها أصنامهم). وهذا كقوله تعالى: {بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ} [الأنبياء: 56].
قال قتادة: (والله خلقكم وما تعملون بأيديكم).
التفسير الثالث: أن تكون "ما" استفهامية. بمعنى تصغير شأنهم، وتحقير لعملهم، والتقدير عندئذ: (والله خلقكم فسواكم وأنشأ لكم سمعًا وبصرًا وفؤادًا وما تعرفون عن أنفسكم من دقائق الخلق في أجسامكم وما لا تعرفون، فأي شيء تعملونه أو تخلقونه أنتم؟ وبأي عقل خضعتم لحجارة صنعتها أيديكم).
التفسير الرابع: أن تكونا "ما" نافية. والتقدير: (والله خلقكم وما أنتم تعملون ذلك بل الله سبحانه هو خالقه).
قلت: وأرجح التفاسير عندي هو التفسير الأول، لأن فيه شمولًا لبقية المعاني، ثم هو مذهب المؤمنين الوسط بين القدرية والجبرية.
فأهل السنة يثبتون أن الأفعال خلق لله عز وجل واكتساب للعباد، ويبطلون الانحراف الذي وقع به غيرهم كالقدرية الذين يقولون لا قدر، بل الإنسان يخلق أفعاله السيئة، أو كالجبرية الذين ينسبون الظلم لله من حيث يدرون أو لا يدرون. فكلاهما وقع في الشرك بالله - إذْ يجعلون خالقًا غير الله، أو يَنْسِبُونَ الظلم لله والشك بحكمته -، تعالى الله عما يصفون.
أخرج البخاري في كتاب "أفعال العباد" عن حذيفة رضي الله عنه مرفوعًا: [إن الله تعالى يصنع كل صانع وصنعته] (?).