تَنْطِقُونَ} ثم انهال عليها بيمينه ينسفها ويكسرها بقوة. وفي الكلام محذوف تقديره: "فقرب إليها طعامًا، فلم يرها تأكل".
وعن السدي: ({فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ}، قال: ذهب إليهم). وقال قتادة: (مال إليهم).
وقال الكلبي: (أقبل إليهم). وقيل: جاء إليهم وعَدَلَ إليهم. وكله بإمعنى واحد بمعنى مال، ومنه قول الشاعر:
ويريك من طرف اللسان حلاوة ... ويروغ عنك كما يروغ الثعلب
وطريق رائغ: أي مائل.
وعن قتادة: ({فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} يستنطقهم {مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ}؟ {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ}: فأقبل عليهم يكسرهم).
قال ابن عباس: (لما خلا جعل يضرب آلهتهم باليمين). وقال الضحاك: (خصّ الضرب باليمين لأنَّها أقوى والضرب بها أشد).
وفي قوله {بِالْيَمِينِ} أكثر من تأويل:
التأويل الأول: اليمين بمعنى القوة. فقد ورد ذلك التأويل عن بعض أهل العربية كالفراء قال: (ضربًا بالقوة واليمين القوة).
التأويل الثاني: اليمين هو الحلف. قيل المراد بذلك اليمين التي حلفها بقوله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} [الأنبياء: 57].
التأويل الثالث: اليمين بمعنى العدل. واحتجوا بقوله سبحانه: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة: 44، 45] أي بالعدل. قال القرطبي: (فالعدل لليمين، والجور للشمال. ألا ترى أن العدو عن الشمال والمعاصي عن الشمال والطاعة عن اليمين، ولذلك قال: {قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات: 28] أي من قبل الطاعة. فاليمين هو موضع العدل من المسلم والشمال موضع الجور. ألا ترى أنه بايع الله بيمينه يوم الميثاق، فالبيعة باليمين، فلذلك يُعطى كتابه غدًا بيمينه، لأنه وفى بالبيعة، ويُعْطى الناكث للبيعة الهارب برقبته من الله بشماله، لأن الجور هناك. فقوله: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} أي بذلك العدل الذي كان بايع الله عليه يوم الميثاق ثم وفّى له هاهنا).
قلت: وكلها تفاسير متقاربة، إذ المقصود أن إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه أقبل