يسقم في الغالب ثم يموت، وهذا تورية وتعريض، كما قال للملك لما سأله عن سارّة هي أختي، يعني أخوة الدين).

وعن قتادة: ({فَتَوَلَّوْا}: فنكصوا عنه {مُدْبِريِنَ} منطلقين).

والراجح عندي أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أوهمهم بطريقة التورية والتعريض فقال لهم كلامًا هو حق في نفس الأمر، لكنهم فهموا منه أنه سقيم حسب ما يعتقدون، وليس هذا من باب الكذب الذي يذم فاعله. وإلى هذا المعنى ذهب ابن كثير وقال: (وإنما أطلق الكذب على هذا تجوّزًا، وإنما هو من المعاريض في الكلام لمقصد شرعي ديني، كما جاء في الحديث: إن في المعاريض لمندوحةً عن الكذب).

قلت.: وهذا المعنى مخرّج في الصحيحين والمسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [لم يَكْذِبْ إبراهيم إلا ثلاثَ كَذَبات: ثنتين منهن في ذات الله، قولُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ}. وقوله: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: 63]. وبينما هو ذات يوم وسارَة، إذ أتى على جَبَّار من الجبابرة، فقيل له: إن هاهنا رجلًا معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه، فسأله عنها، فقال: مَنْ هذه؟ قال: أختي، فأتى سارة، فقال: يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، وإن هذا سألني، فأخبرتُه أنك أختي، فلا تكذبيني، فأرسل إليها، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده، فَأخِذَ، فقال: ادعي الله لي، ولا أضرك، فدعت فأطلق، فدعا بعضَ حجبته، فقال: إنك لم تأتني بإنسان! إنما أتيتني بشيطان! فأخْدَمَها هاجر، فأتته وهو قائم يصلي، فأومأ بيده مَهْيا؟ قالت: ردّ الله كَيْدَ الفاجر في نحره، وأخدم هاجر] (?).

وقوله تعالى: {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ}. أصل الروغان في لغة العرب من راغ رواغًا، يقال: راغ الثعلب روغانًا ورواغًا وأراغ وارتاغ إذا طلب وأراد، وراغَ إلى كذا مال إليه سرًّا وحاد. وفلان يُراوغ في الأمر مراوغة، وراغ فلان عن فلان إذا حاد عنه.

فيكون معنى الآية: أي حاد إبراهيم وراغ عن قومه وعن الخروج معهم إلى آلهتهم، فقرب لها طعامًا فما باشرته، فعزم عليها ألا تأكلون، فاستهزأ بها بقوله: {مَا لَكُمْ لَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015