أعلم - ودليل ذلك قوله سبحانه في الآية الآخرى: {قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)} [هود: 48].
وقوله: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [الإسراء: 3]. فكلتا الآيتين تدل أن ثَمَّ ذرية ونسلًا لغير ولد نوح، وإنما نجى الله المؤمنينن وجعل ذريتهم هم الباقين إذ أغرق سبحانه من كفر، والله تعالى أعلم.
قال القاسمي: (والمراد بأهله من آمن معه). وقال النسفي: ({وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} قال: ومن آمن به وأولاده).
وقوله تعالى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ}.
قال ابن عباس: (يقول: يُذكر بخير). وقال قتادة: (أبقى الله عليه الثناء الحسن في الآخرين). وقوله: {فِي الْآخِرِينَ} فيه تفاسير:
التفسير الأول: أي تركنا عليه ثناء حسنًا في كل أمة، فإنه محبب إلى الجميع - ذكره مجاهد.
التفسير الثاني: أي تركنا عليه هذه الكلمة باقية، يعني يسلمون عليه تسليمًا ويدعون له.
التفسير الثالث: أي في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
التفسير الرابع: قيل في الأنبياء إذ لم يبعث بعده نبيّ إلا أمر بالاقتداء به، كما قال الله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13].
والحق أن ذكر نوح جميل في الأرض، والثناء عليه قائم بين الأنبياء والأمم، حتى أني أذكر أني رأيت في بعض الجامعات التابعة للكنيسة في أمريكا قصة الخلق وهم يعرضونها بطريقة ضوئية صوتية مسرحية، وهم يعبّرون بها عن مجاهدة نوح قومه ودعوته إليهم - وقومه يستهزئون ويضحكون ويسخرون - ويشيرون إلى جهاده بالثناء الحسن.
فذكر نوح حسن بين الناس جميعًا صلوات الله وسلامه عليه.
وقوله: مبتدأ وخبر. والتقدير {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ}: تركنا عليه هذا الكلام الحسن {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ}. أو يكون التقدير: فقلنا {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ}. قال النسفي: (أي ثبت هذه التحية فيهم جميعًا ولا يخلو أحد منهم منها كأنه قيل ثبت الله التسليم على نوح وأدامه في