ذرية من الصالحين. فلما فاصلهم وعظَّم منهاج رب العالمين، وهبَ له غلامًا آنَسه به ثم ابتلاه بأمره أن يذبحه حتى يفرغ القلب لله العظيم، ففعل وتلّه للجبين، ففداه الله بذبح عظيم، ورضي بذلك عن قلب إبراهيم، واصطفاه من بين العالمين، ثم بشره بإسحاق نبيًا من الصالحين. وبارك عليهما ومن ذريتهما طائع لربه محسن وظالم لنفسه مبين. فإلى تفصيل ذلك:
قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ}. قال قتادة: (أجاب الله).
والنداء هو الاستغاثة. قال ابن جرير: (ولقد نادانا نوح بمسألته إيانا هلاك قومه فقال: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا} [نوح: 5، 6] إلى قوله: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26]. فلنعم المجيبون كنا له إذ دعانا فأجبنا له دعاءه فأهلكنا قومه {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} قال: من الأذى والمكروه الذي كان فيه من الكافرين، ومن كرب الطوفان والغرق الذي هلك به قوم نوح. {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} قال: يقول: وجعلنا ذرية نوح هم الذين بقوا في الأرض بعد مَهْلك قومه، وذلك أن الناس كلهم من بعد مَهْلك نوح إلى اليوم إنما هم ذريّة نوح، فالعجم والعرب أولاد سام بن نوح، والترك والصقالبة والخَزَر أولاد يافث بن نوح، والسودان أولاد حام بن نوح).
وعن قتادة قال: (فالناس كلهم من ذرية نوح).
ففي الذرية تفسيران:
التفسير الأول: أنَّهم من نسل أولاده.
فعن السدي: ({وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}. قال: من الغرق). قال ابن عباس: (لما خرج نوح من السفينة مات من معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءه، فذلك قوله: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}).
وعن سعيد بن المسيب قال: (كان ولد نوح ثلاثة والناس كلهم من ولد نوح، فسام أبو العرب وفارس والروم واليهود والنصارى، وحام أبو السودان من المشرق إلى المغرب: السند والهند والنوب والزنج والحبشة والقبط والبربر وغيرهم، ويافث أبو الصقالبة والترك واللان والخزر ويأجوج وماجوج وما هنالك).
التفسير الثاني: أنَّهم أهل الإيمان الذين آمنوا معه.
قلت: وهذا هو الراجح عندي، فليست قرابة النسل والدم هي المقصودة - والله تعالى