فعن ابن عباس: (قوله: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} أي وجدوا آبَاءَهُمْ ضالين).
وعن مجاهد: {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} قال: كهيئة الهرولة). وعن السدي: ({يُهْرَعُونَ} قال: يسرعون). وقال ابن زيد: (يستعجلون إليه).
والخلاصة: أنَّ هؤلاء المشركين المعظمين غير الله المحتكمين لغير شرعه ومنهاجه آثروا تقليد الآباء في طريقتهم ونهجهم رغم عوارها وانحرافها على الاحتكام للحق والقرآن وما فيه من التحذير من سبل الهوى ومواقع الفتن والهلاك، وكيف كان مصير الأمم قبلهم حين تحاكمت للأعراف والتقاليد والآباء دون برهان من الله ونور من الوحي، فقال جل ثناؤه: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ}. فانظر يا محمد وتأمّل كيف صيَّرنا أمر من كذبوا رسلنا وأنبياءنا حين أنذروهم بطشتنا إذا استمروا على الكفر وآثروا تعظيم الشهوات على الحق. أفلم نهلكهم فنجعلهم عبرة وعظة لمن جاء بعدهم ليعتبروا ويتعظوا كيف كان غِبُّ أمر من أصروا على البغي وكذبوا الرسل.
وقوله: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}. قال السدي: (الذين استخلصهم الله).
أي استخلصهم من الكفر، فهو استثناء من {الْمُنْذَرِينَ}. وقيل: بل هو استثناء من قوله: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ}. وكلا المعنيين سالك قائم، والله تعالى أعلم.
75 - 113. قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97)