قلت: فثبت أن الوجه ليس بعورة يجب ستره، وهو مذهب أكثر العلماء كما قال ابن رشد في "البداية" (1/ 89) ومنهم أبو حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن أحمد كما في "المجموع" (3/ 169)، وحكاه الطحاوي في "شرح المعاني" (2/ 9) عن صاحبي أبي حنيفة أيضًا. وإن كان الأولى في هذا الزمان تغطية المرأة وجهها لانتشار الفتن وضياع الشباب وقلة الحياء وقلة غض البصر.

وقوله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ}.

قال السدي: (كان ناس من فُسَّاق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام إلى طرق المدينة يتعرضون للنساء، وكانت مساكن أهل الفدينة ضيقة، فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطرق يقضين حاجَتَهُنَّ، فكان أولئك الفُسَّاق يتبعون ذلك منهنَّ، فماذا رأوا امرأة عليها جلباب قالوا: هذه حُرَّة، كفُّوا عنها. وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب، قالوا: هذه أَمَة. فوثبوا إليها).

وقال مجاهد: (يَتَجَلْبَبْنَ فيعلم أنهنّ حرائِرُ فلا يَعرِض لهنَّ فاسِقٌ بأذى من قول ولا ريبة).

قلت: بل الجلباب واجب على الحرائر والإماء، فلا فرق في وجوب ذلك على جميع النساء، ومن ثمَّ فإن في جلباب المرأة صرف أطماع الفساق عنها على العكس من المرأة المبدية مفاتنها وزينتها، فإنها تحمل بسلوكها ذلك الفساق أن يهموا بها. فالجلباب هو حجاب الفطرة يحمي الله تعالى به الفتاة المسلمة.

وقوله: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.

قال النسفي: ({وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} لما سلف منهن من التفريط {رَحِيمًا} بتعليمهن آداب المكارم).

فائدة (1): في كون المراد بآية الحجاب قوله: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} نظر، إذ قد صرحت الروايات في شان قصة زينب السابقة بنزول قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية. وفي شأن قول عمر - عند الطبري - فأنزل الله آية الحجاب، قال الله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا} ... فالقول بتعدد الأسباب للنزول أولى.

فائدة (2): قول عمر: "عرفناك يا سودة" - فبالرواية الأولى قبل الحجاب، وبأخرى بعد الحجاب - فلعله وقع مرتين. وربما المراد بالحجاب الأول غير الثاني - كما ذكر الحافظ - والحاصل أن عمر رضي الله عنه وقع في قلبه شيء من اطلاع الأجانب على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015