وقد تبين عند تفسير هذه الآية أن الوجه لا يجب ستره، فوجب تقييد الإدناء هنا بما عدا الوجه توفيقًا بين الآيتين.
ب - إن السنة مُبَيِّنَةٌ للقرآن مخصصة لعمومه مقيدة لمطلقه. وقد دلت النصوص الكثيرة منها على أن الوجه لا يجب ستره، فوجب تفسير هذه الآية على ضوئها، وتقييدها بها.
ففي الصحيحين عن سهل بن سعد: [أن امرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَصَعَّدَ النظر إليها وصَوَّبَه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقصد فيها شيئًا جلست] (?).
قال الحافظ في "الفتح" (9/ 173): (وفيه جواز تأمل محاسن المرأة لإرادة تزويجها وإن لم تتقدم الرغبة في تزويجها ولا وقعت خطبتها؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - صَعَّدَ فيها النظر وصَوَّبَه، وفي الصيغَة ما يدل على المبالغة في ذلك، ولم يتقدم منه رغبة، ولا خطبة).
وفي الصحيحين والمسند عن عطاء بن أبي رباح قال: [قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجَنَّة؟ قلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: إني أصرع، وإني أتكشف فادع الله لي، قال: إن شئت صبرت ولك الجَنَّة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها] (?).
وفي "تاريخ ابن عساكر" (19/ 2/73) في قصة صلب ابن الزبير أن أمه (أسماء بنت أبي بكر) جاءت مسفرة الوجه متبسمة.
وروى أبو نعيم (1/ 164) عن أبي السليل قال: (جاءت ابنة أبي ذر وعليها مجنبتا صوف سفعاء الخدين، ومعها قفة لها، فمثلت بين يديه وعنده أصحابه فقالت: يا أبتاه زعم الحراثون والزراعون أن أفلسك هذه بهرجة، فقال: يا بنية ضعيها فإن أباك أصبح والحمد لله ما يملك من صفراء ولا بيضاء إلا أفلسه هذه) - ورجاله ثقات (?).