فإنه لا يجب على النساء الاحتجاب من الآباء والأبناء والإخوة وأبناء الإخوة وأبناء الأخوات ونساء المؤمنات والأرقاء من الذكور والإناث، وأمْرٌ للنساء خاصة في ختام الآية بلزوم خشية الله وامتثال أمره والخوف منه، فإن الله تبارك وتعالى شاهد على ما يبدين من زينتهن وما يخفين منها، وهو سبحانه يعلم صدق السرائر في لزوم العفاف من إرادة الفتنة وإشاعة الفساد، والله لا يحب الفساد.
فقوله: {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ} .. الآية كلها. قال مجاهد: (أن تضع الجلباب).
وعن قتادة: (قوله: {لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ} ... إلى {شَهِيدًا}: فرخص لهؤلاء أن لا يحتجبن منهم).
وهذه الآية كقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} [النور: 31].
وعن ابن زيد: ({وَلَا نِسَائِهِنَّ} قال: نساء المؤمنات الحرائر ليس عليهن جناح أن يرين تلك الزينة، قال: وإنما هذا كله في الزينة. قال: ولا يجوز للمرأة أن تنظر إلى شيء من عورة المرأة).
قلت: والنصوص بمجموعها تدل على جواز كشف المرأة شعرها وزينتها الظاهرة أمام عموم النساء، ولا دليل على التفريق بين مسلمة وغير مسلمة، فالآية هنا خرجت مخرج الغالب في العشرة، وأن المقصود عموم النساء والزيادة بـ "هنّ" إيقاعية لانسجامها مع ما قبلها، وأما الاحتجاج بدعوى وصف الأجنبية أو غير المسلمة محاسن المرأة المسلمة لذويها من الرجال، فإن ذلك غير مختص بغير المسلمات، بل إن كان في المسلمات من يشيع ذلك منهن فالتغطية أولى.
وقوله: {وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ}. يعني به أرقاءَهُنَّ من المذكور والإناث.
قال ابن زيد: (وكان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يحتجبن من المماليك).
وقوله: {وَاتَّقِينَ اللَّهَ}. قال ابن جرير: (يقول: وخفن الله أيها النساء أن تتعدَّين ما حدّ الله لَكُنَّ، فتبدين من زينتكنَّ ما ليس لكنّ أن تبدينه، أو تتركن الحجاب الذي أمركنّ الله بلزومه، إلا فيما أباح لكنَّ تركه، والْزَمْنَ طاعته).
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا}. أي: إن الله شاهد على كيفية امتثالكم لأمر الحجاب، وستر الزينة والعورات، أو كشف ما يجوز من الزينة لمن أباح