وقوله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ}.
قال قتادة: (إذا علمن أن هذا جاء من الله لرخصة، كان أطيب لأنفسهن، وأقل لحزنهن).
والأجمل من ذلك أن يقال: إنه كان يَقْسِمُ لهن - صلى الله عليه وسلم - ويقيم العدل بينهن والإنصاف رغم الرخصة له في الاختيار، فإذا علمن ذلك منه فرِحْن بذلك واستبشرن به واعترفن بالجميل له والفضل والمِنّة.
وقوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ}. قال ابن جرير: (يقول: والله يعلم ما في قلوب الرجال من ميلها إلى بعض من عنده من النساء دون بعض بالهوى والمحبة، يقول: فلذلك وضع عنك الحرج يا محمد فيما وُضعَ عنك من ابتغاء من ابتغيت منهنّ ممن عزلت، تفضلًا منه عليك بذلك وتكرمة).
وقوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا}. أي: {عَلِيمًا} بضمائر الأسرار ومما لا يمكن دفعه من ميل القلوب، {حَلِيمًا} على عباده، يفسح لهم الوقت ليتوبوا إليه فلا يعاجلهم بالعقوبة.
وفوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا}.
قال ابن عباس: (نُهِيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوج بعد نسائه الأُوَل شيئًا).
وقال قتادة: (لما خَيّرهن، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة قصره عليهن فقال: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} وهن التسع اللاتي اخترن الله ورسوله). قال ابن كثير: (فلما اخترن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان جزاؤهن أنَّ الله قصرَه عليهنّ، وحرَّم عليه أن يتزوج بغيرهن، أو يستبدل بِهنّ أزواجًا غيرهُنَّ، ولو أعجبه حُسنُهنَّ إلا الإماء والسَّراري فلا حَجْرَ عليه فيهن. ثم إنه تعالى رفع عنه الحجر في ذلك ونسخ حكم هذه الآية، وأباح له التزوج، ولكن لم يقع منه بعد ذلك تزوُّجٌ لتكون المِنَّةُ للرسول، عليهِنَّ).