أي وتقبل منهن من تشاء فتضمها إلى زوجاتك، وتردّ منهن من تشاء، ومن رددتها فأنت كذلك بالخيار بعد ذلك، إن شئت عُدْتَ فيها فآويتها. ولهذا قال: {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ}.
قال البخاري: (قال ابن عباس: {تُرْجِي}: تُؤَخِّر، {أَرْجِهْ} [الأعراف: 111]: أخِّرْهُ).
قال عامر الشعبي: (كُنَّ نساءَ وهبن أنفسهن للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فدخل ببعضهن وأرجأَ بعضَهن لم يُنكحن بعده، منهم أم شَريك).
سبب النزول الثاني:
أخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن معاذةَ: [عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يستأذن في يوم المرأة مِنّا، بعد أن أُنْزِلت هذه الآية: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ}. فقلت لها: ما كُنتِ تقولين؟ قالت: كنتُ أقولُ له: إنْ كان ذاكَ إليَّ فإني لا أُريدُ يا رسول الله، أن أوثِرَ عليك أحدًا] (?).
قال مجاهد: ({تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ}: تعزل بغير طلاق من أزواجك من تشاء.
{وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} قال: تردّها إليك).
قال قتادة: (فجعله الله في حل من ذلك أن يدع من يشاء منهن، ويأتي من يشاء منهن بغير قسم، وكان نبي الله يقسم). قال: ({وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ}: جميعًا هذه في نسائه، إن شاء أتى من شاء منهن، ولا جناح عليه). وقال ابن زيد: (من ابتغى أصابه، ومن عزل لم يصبه).
فالمعنى: لا حرج عليك في أزواجك أن تترك القسم لهنَّ فَتُقَدِّمَ من شئت، وتؤخر من شئت.
وبالجمع بين سببي النزول يكون المقصود أنّ الآية نزلت في الواهبات، وفي زوجاته - صلى الله عليه وسلم -. فهو يقدم من شاء من الواهبات ويؤخر، وكذلك يقدم من شاء من الزوجات في القَسْم ويؤخر.