البلاد، وخضعت له ملوك العباد، وتحرك بأمر الله في أرجاء هذه المعمورة، شرقًا وغربًا، وآتاه الله تعالى مثل ما يؤتى الملوك، ومن الأسباب والطرق والوسائل القوية لفتح الأقاليم والرساتيق والبلاد والأراضي وكَسْر الأعادي، وكبْتِ ملوك الظلم وإذلال أهل الشرك، ومن كل شيء يُحتاج إليه لإقامة الحق ومنهاج العدل في الأرض. فتابع المسير في أرجاء هذه المعمورة شرقًا وغربًا.
فقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا}.
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: ويسألك يا محمد هؤلاء المشركون عن ذي القرنين ما كان شأنه، وما كانت قصته، فقل لهم: سأتلو عليكم من خبره ذكرًا).
وقوله تعالى: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}. قال ابن عباس: (سببًا: يعني علمًا). وقال قتادة: (منازلَ الأرض وأعلامها). وقال ابن زيد: (تعليم الألسنة، قال: كان لا يغزو قومًا إلا كلَّمهم بلسانهم).
قال ابن كثير: (أي: أعطيناه مُلكًا عظيمًا متمكنًا، فيه له من جميع ما تُؤتى الملوك، من التمكين والجنود، وآلات الحرب والحصَارات. ولهذا مَلكَ المشارِقَ والمغارِبَ من الأرض، ودانت له البلادُ، وخَضَعت له ملوك العِباد، وخَدَمته الأمم، من العَرَب والعَجم. ولهذا ذكر بعضُهم أنه سُمِّيَ ذا القرنين لأنه بلغ قَرْني الشمس مشرقها ومغربها).
وقوله تعالى: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا}. قال ابن عباس: (يعني بالسبب المنزل). وقال مجاهد: (منزلًا وطريقًا ما بين المشرق والمغرب). وقال مجاهد أيضًا: ({سَبَبًا}: طرَفي الأرض). وقال قتادة: (أي اتَّبع منازِلَ الأرض ومعالمها).
قال النسفي: (والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة، فأراد بلوغ المغرب فأتبع سببًا، يوصله إليه حتى بلغ. وكذلك أراد المشرق فأتبع سببًا، وأراد بلوغ السدين فأتبع سببًا).
قلت: والذي يظهر من عجائب ما صنع ذو القرنين ومن قوله تعالى: {قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ} أنه نبيٌّ يوحى إليه، وقد تحرك في الأرض بأمر الله.