الْأَوَّلِينَ}، مِنْ غِشْيانهم بالعذاب، وأَخْذِهم عن آخرهم، {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} أي: يَرَوْنَهُ عيانًا مواجهة ومقابلة).
وقوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا}.
قال القاسمي: (أي وما نرسلهم، قبل إنزال العذاب، إلا لتبشير من آمن بالزلفى والكرامة، وإنذار من كفر بأن تأتيه سنة من مضى {وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ} كاقتراح الآيات {لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} أي ليزيلوا بالجدال، الحقّ الثابت عن مقره. وليس ذلك بحاصل لهم. قال: {وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا} أي وإنذارهم. أو والذي أنذروا به من العقاب {هُزُوًا} أي استهزاء وسخرية وهو أشد التكذيب. وصف بالمصدر مبالغة).
وأصل الإدحاض في كلام العرب إزلاق القدم وإزالتها عن موطئها. قال الرازي: (دَحَضَتْ رِجْله: زَلِقَتْ). فاستعير ذلك المفهوم من زلل القدم إلى زلل العقل والمنهج والتفكير.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد مرفوعًا: [ثم يُضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة. . قيل يا رسول الله! وما الجِسْرُ؟ قال: دَحْضٌ مَزِلَّةٌ] (?).
57 - 59. قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)}.
في هذه الآيات: التحذير من التغافل عن آيات الله وحججه وقوارعه وما يعقب ذلك من الختم والطبع على القلوب وإقفال الآذان عن سماع الحق، وأنه تعالى برحمته لا يعاجل بالعذاب بل يحلم ويستر والموعد للحساب يوم القيامة. وإنّ من سننه تعالى