متوارثة عبر الزمان، قوامها العناد والجدل وسؤال المعجزات والاستهزاء بالرسل الكرام.
فقوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}. أي: ولقد وضحنا في هذا القرآن للناس وفصلنا أسباب النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة، ومع ذلك فإن الإنسان كثير المجادلة والمخاصمة والمعارضة للحق بالباطل، يحب التقلل من التكاليف الشرعية التي هي سرّ سعادته وسرّ منزلته عند ربه، ولا ينجو من ذلك إلا من نوّر الله قلبه وهدى بصيرته. قال ابن زيد: (الجدل: الخصومة، خصومة القوم لأنبيائهم، وردّهم عليهم ما جاؤوا به). قلت: بل وكثير من المسلمين اليوم واقعون في مرض الجدل بدل الإخبات للحق.
وفي الصحيحين والمسند عن عَليّ بِن حُسين، أن حُسَيْنَ بنَ عليٍّ أخبره: أَنَّ عليَّ بن أبي طالب أخبره: [أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طَرَقَهُ وفاطِمةَ بنتَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلةً فقال: ألا تُصلِّيان؟ فقلت: يا رسولَ الله، أنفسنا بيدِ الله، فإذا شاء أن يَبْعَثَنا بَعَثَنا، فانصرف حين قلتُ ذلك ولم يَرْجِعْ إليَّ شيئًا، ثم سَمِعْتهُ وهو مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَه وهو يقولُ: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}] (?).
وقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا}. قال مجاهد: (فجأة). وقال ابن زيد: (قبلًا معاينة ذلك القبل) - وهو أرجح. قال ابن كثير: (يخبر تعالى عن تَمَرُّد الكفرة في قديم الزمان وحديثِه، وتكذيبهم بالحق البَيِّن الظاهر، مع ما يشاهدون من الآيات والآثار والدلالات الواضحات، وأنه ما منعهم من اتباع ذلك إلا طلبهم أن يشاهِدُوا العذابَ الذي وُعِدُوا به عِيانًا، كما قال أولئك لنبيهم: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء: 187]، وآخرون قالوا: {ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [العنكبوت: 29]. وقالت قريش: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32]، {وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الحجر: 6 - 7] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك. ثم قال عز وجل: {إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ