إهلاك القرى الظالم أهلها في وقت مكتوب وأجل مسمّى.

فقوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}. أي: لا أحد أشد ظلمًا ممن تغافل عن آيات الله وسننه وحججه ولم يلق لها بالًا. قال قتادة: ({وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}: أي نسيَ ما سلف من الذنوب). وقال ابن جرير: (يقول: ونسي ما أسلف من الذنوب المهلكة فلم يتب، ولم ينب).

وقوله: {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا}. أي: لقد جعلنا على قلوب هؤلاء المعاندين للحق أغطية وفي آذانهم ثقلًا عن استماع هذا الوحي وفهمه. قال القرطبي: (بسبب كفرهم، أي نحن منعنا الإيمان من أن يدخل قلوبهم وأسماعهم).

وقوله: {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}.

قال النسفي: ({وَإِنْ تَدْعُهُمْ} يا محمد {إِلَى الْهُدَى} إلى الإيمان {فَلَنْ يَهْتَدُوا} فلا يكون منهم اهتداء البتة {إِذًا أَبَدًا} مدة التكليف كلها).

وقوله: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ} الآية.

أي: وربك - يا محمد - غفور ذو رحمة واسعة، لو أخذ هؤلاء المسرفين المستكبرين المعرضين عن الحق وعاجلهم بنقمته وعقابه لما ترك لهم من أثر، ولكنه يحلُم على عباده ويسترُ ويغفر. قال ابن كثير: (وربما هدى بعضهم من الغي إلى الرشاد، ومن استمرّ منهم فله يومٌ يشيب فيه الوليد، وتضَعُ كل ذات حمل حملها، ولهذا قال: {بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا} أي: ليس لهم عنه محيدٌ ولا مَحيصٌ ولا مَعْدِلٌ). وعن ابن عباس: ({مَوْئِلًا} يقول: ملجأ). وقال مجاهد: (محرزًا). وقال قتادة: (أي لن يَجِدوا من دونه وليًا ولا ملجأ). وعن ابن زيد: (ليس من دونه ملجأ يلجؤون إليه).

وفي التنزيل نحو ذلك:

1 - قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} [فاطر: 45].

2 - وقال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل: 61].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015