من الجن - اعترته الحمية، واستكبر عن أمر ربه، فحذّر سبحانه من عداوته. وتوبيخ للمشركين في اتخاذهم الشياطين أولياء وهم خلق من خلق أمثالهم، وتقريعٌ لهم يوم الحشر حين يُدعون لمناداة الشركاء الذين أشركوا فيهم بالله لينصرونهم وينقذونهم من الخزي والهلاك الذين هم مقبلون عليه، فإذا بينهم وبين آلهتهم المزعومة مهلك وهَوْل عظيم وأمر كبير، وكلاهما في نار السعير.

فقوله: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ}. أي: سجود تكريم، والخطاب لجميع الملائكة.

قال النسفي: (سجود تحية أو سجود انقياد). وقد كان هذا السجود فيما احتج به موسى على آدم عليهما السلام.

ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [احتجّ آدم وموسى عليهما السلام عند ربهما. فحجّ آدمُ موسى. قال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسْجَدَ لَكَ ملائكته، وأسكنك في جنته، ثم أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض. قال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته، وبكلامه، وأعطاكَ الألواح فيها تبيان كل شيء وقرَّبكَ نَجِيًّا، فبكم وجدتَ اللهَ كتب التوراة قبلَ أن أُخلق؟ قال موسى: بأربعين عامًا. قال آدم: فهل وجدت فيها: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}؟ قال: نعم. قال: أفتلومني على أن عَمِلْتُ عملًا كتبه الله عليَّ أن أعمله قبل أن يخلُقَني بأربعين سنة. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فَحَجَّ آدم موسى] (?).

وقوله: {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}.

أي: فسجد الملائكة ممتثلين أمر ربهم، إلا إبليس - وهو من الجن، كان يعيش مع الملائكة فجاء اللفظ للتغليب - فقد أبى أن يسجد لآدم عداوة وحسدًا، وغرورًا وكبرًا، وتعزّز بخلقة النار، واستوهن خلق الصلصال.

وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: [خُلِقَت الملائكة من نور، وخُلقَ إبليس من مارج من نار، وخُلِقَ آدم مما وُصِفَ لكم] (?).

وقوله: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}. أي: خرج عن طاعته. والفسق في كلام العرب:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015