اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89)}.
في هذه الآيات: ذِكْرُ الله تعالى فضله على نبيّه محمد - صلى الله عليه وسلم - بهذا الوحي الكريم، وأنه لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لعجزوا ولرجعوا صاغرين. والله تعالى يُصَرِّفُ في هذا القرآن من كل مثل لِيَذكَّرَ العباد ويتعظوا فيأبى أكثرهم إلا أن يعيشوا كافرين.
فقوله: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}. قال النسفي: (والمعنى: إن شئنا ذهبنا بالقرآن ومحوناه من الصدور والمصاحف فلم نترك له أثرًا). وقال القرطبي: (أي كما قدرنا على إنزاله نقدر على إذهابه حتى ينساه الخلق. ويتصل هذا بقوله: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} أي ولو شئت أن أذهب بذلك القليل لقدرت عليه).
قلت: وذهاب العلم وفشو الجهل ورفع القرآن من الأرض من علامات الساعة، عقوبة من الله للمستهترين.
ففي صحيح سنن ابن ماجه عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [يَدْرُسُ الإسلامُ كما يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوبِ. حتى لا يُدْرَى ما صِيامٌ ولا صلاةٌ ولا نُسُكٌ ولا صدقة. ولَيُسْرى على كتاب الله، عزَّ وجل، في ليلة. فلا يبقى في الأرض منه آية. وتَبْقَى طوائفُ من الناس، الشيخ الكبير والعجوز. يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله. فنحن نقولها] (?).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [يتقارب الزمانُ، ويُقبض العلمُ، ويُلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، قيل: وما الهرج؟ قال: القتل] (?).