لهم على أحسن الهيئات وأكملها، وكقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} أن يمشي قائمًا منتصبًا على رجليه ويأكل بيديه، وغيره من الحيوانات يمشي على أربع ويأكل بفمه، وجعل لهم سمعًا وبصرًا وفؤادًا يفقه بذلك كله وينتفع به، ويفرق بين الأشياء، ويعرف منافعها وخواصها ومضارها في الأمور الدينية والدنيوية، وحملناهم في البر أي على الدواب من الأنعام والخيل والبغال، وفي البحر أيضًا على السفن الكبار والصغار، ورزقناهم من الطيبات أي من زروع وثمار ولحوم وألبان من سائر أنواع الطعوم والألوان المشتهاة اللذيذة، والمناظر الحسنة، والملابس الرفيعة من سائر الأنواع على اختلاف أصنافها وألوانها وأشكالها مما يصنعونه لأنفسهم ويجلبه إليهم غيرهم من أقطار الأقاليم والنواحي، وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلًا أي من سائر الحيوانات وأصناف المخلوقات).
قلت: فالتكريم الذي امتن الله به سبحانه على الإنسان هو: أن خلقه مخلوقًا متكاملًا بيده، ثم نفخ فيه من روحه، وجعل له سمعًا وبصرًا وفؤادًا وعقلًا وهيئة، في أحسن تقويم من فضله، ثم أسجد له ملائكته، وسخَّر له كَوْنًا واسعًا يتذلل له ولطاعته، وهيأ له في الآخرة جنة عرضها السماوات والأرض لتستقبل من قام بأمره.
فلو كان التكريم كما يزعم بعضهم بالعقل فقط للزم أن يكون إبليس مجنونًا، لأنه قال: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ}، ومن قال هذا فليراجع عقله. وللزم كذلك أن من سلبه سبحانه عقله فقد أهانه، كلا - فالكل مُفْتَقِرٌ إلى رحمته، والكل محفوف بما لا يبصر من نعمه، ولا يعْدِل شيء في الدنيا دخولَ جنته، والخلود في ظل رضوانه ونعيمه وكرمه.
خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرجه الإمام أحمد في المسند بسند صحيح عن عتبة بن عبد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [لو أن رجلًا يُجَرُّ على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرمًا في مرضاة الله تعالى لحقِره يوم القيامة] (?).
فالكل تحت ألطافه ورحمته سبحانه، والكل محتاج إلى فضله وآلائه.