التأويل الثامن: قيل بل كرمهم بالعقل وهو عمدة التكليف، وبه يُعرف الله ويُفهم كلامه، ويوصل إلى نعيمه وتصديق رسله. قال القرطبي: (إلا أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد بعثت الرسل وأنزلت الكتب. فمثال الشرع الشمس، ومثال العقل العين، فإذا فتحت وكانت سليمة رأت الشمس وأدركت تفاصيل الأشياء).

ومن المفسرين من جمع بعض هذه الصفات في معنى التكريم، كما أفاد القاسمي رحمه الله حيث قال: ({وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}: أي بالنطق والتمييز والعقل والمعرفة والصورة والتسلط على ما في الأرض والتمتع به، {وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}: أي يسرنا لهم أسباب المعاش والمعاد بالسير في طلبها فيهما، وتحصيلها {وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} أي فنون المستلذات التي لم يرزقها غيرهم من المخلوقات {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} أي عظيمًا، فحقَّ عليهم أن يشكروا هذه النعم، بأن يعبدوا المتفضل بها وحده ويقيموا شرائعه وحدوده).

وكذلك فيما قاله الإمام النسفي رحمه الله في التفسير: ({وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} بالعقل والنطق والخط، والصورة الحسنة والقامة المعتدلة، وتدبير أمر المعاش والمعاد، والاستيلاء وتسخير الأشياء، وتناول الطعام بالأيدي).

وأشمل من ذلك ما ذكره الإمام القرطبي والحافظ ابن كثير رحمهما الله تعالى. فقد قال القرطبي: (كرّمنا: تضعيف كرم، أي جعلنا لهم كرمًا أي شرفًا وفضلًا. وهذا هو كرم نفي النقصان لا كرم المال. وهذه الكرامة يدخل فيها خلقهم على هذه الهيئة في امتداد القامة وحسن الصورة، وحملهم في البر والبحر مما لا يصح لحيوان سوى بني آدم أن يكون يتحمل بإرادته وقصده وتدبيره. وتخصيصهم بما خصّهم به من المطاعم والمشارب والملابس، وهذا لا يتسع فيه حيوان اتساع بني آدم، لأنهم يكسبون المال خاصة دون الحيوان، ويلبسون الثياب ويأكلون المركّبات من الأطعمة، وغاية كل حيوان يأكل لحمًا نيئًا أو طعامًا غير مركب. قال: {وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} يعني لذيذ المطاعم والمشارب. قال مقاتل: السمن والعسل والزبد والتمر والحَلْوى، وجعل رزق غيرهم ما لا يخفى عليكم من التبن والعظام وغيرها. {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} أي على البهائم والدواب والوحش والطير بالغلبة والاستيلاء، والثواب والجزاء والحفظ والتمييز وإصابة الفِراسة).

وقال الحافظ ابن كثير: (يخبر تعالى على تشريفه لبني آدم وتكريمه إياهم في خلقه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015