وقوله تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}. فيه إظهار إبليس الجراءة والكفر، والرب سبحانه يَحْلُم ويُنْظِر، يقول: أرأيت هذا الذي أمرتني بالسجود له، تكريمًا منك إليه، لئن أخرت إهلاكي إلى يوم القيامة لأستولين على ذريته ولأستميلنهم ولأضلنهم إلا قليلًا منهم. قال مجاهد: ({لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}، قال: لأحتوينهم). وقال ابن عباس: (يقول: لأستولين على ذريته إلا قليلًا). وقال ابن زيد: (لأضِلّنَهُم) - وكلها متقاربة في المعنى متكاملة.
أخرج الحاكم والبيهقي بإسناد صحيح عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [إن الشيطان قال: وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي: لا أزال أغفر لهم ما استغفروني] (?).
وقوله تعالى: {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا}.
قال مجاهد: (موفورًا: وافرًا). وقال ابن جرير: (يقول: ثوابا مكثورًا مكملًا). والمعنى: توعد من الله تعالى أتباع إبليس بالشقاء. قال قتادة: (عذاب جهنم جزاؤهم، ونقمة من الله من أعدائه فلا يعدل عنهم من عذابها شيء).
وقوله: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} - فيه أقوال متكاملة:
1 - قال مجاهد: (اللعب واللهو). أو قال: (باللهو والغناء). والمعنى: استخفف واستجهل من استطعت منهم بصوت الغناء واللعب لتشغلهم بفاحش القول ومزامير اللهو عن طاعة الله عز وجل. وفي كلام العرب: استفزه: استخفه. والفز الخفيف.
2 - وقال ابن عباس: (صوته كل داع دعا إلى معصية الله).
3 - وقال قتادة: ({وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} قال: بدعائك).
وكلها معان يحتملها التأويل وبيان الآية، ويشمل صوته الوسوسة والغناء الماجن والمزمار.