فعن قتادة: (قوله: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} قال: الحجاب المستور أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفِعُوا به، أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم).

والمقصود: أن الله تعالى جعل مانعًا حائلًا بين القرآن والمشركين جزاء استهتارهم بالوحي العظيم. قيل: {حِجَابًا مَسْتُورًا} بمعنى ساتر. وقيل مستورًا عن الأبصار فلا تراه، وهو مع ذلك حجاب بينهم وبين الهدى.

وقوله: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ}. {أَكِنَّةً}: جمع كنان، وهو ما ستر الشيء، والمراد ما يغشى القلب. {أَنْ يَفْقَهُوهُ}، أي: لئلا يفهموا هذا القرآن. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: وجعلنا على قلوب هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة عند قراءتك عليهم القرآن أكنة، وهي جمع كنان، وذلك ما يتغشَّاها من خذلان الله إياهم عن فهم ما يُتلى عليهم).

وقوله: {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا}. الوَقر في الأذن: الثقل. قال ابن كثير: (وهو الثِّقلُ الذي يمنعهم من سماع القرآن سماعًا ينفعهم ويهتدون به).

وقوله: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا}. أي: إذا عظمت ربك وحده أثناء تلاوتك القرآن - يا محمد - وقلت موحدًا: لا إله إلا الله أدبر المشركون راجعين. قال أبو الجَوْزاء أوْس بن عبد الله: (ليس شيء أطْرَدَ للشيطان من القلب من قول لا إله إلا الله، ثم تلا: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا}. وقال قتادة: (إن المسلمين لما قالوا: "لا إله إلا الله"، أنكر ذلك المشركون، وكبُرت عليهم، وَصَافَّها إبليس وجنودُه، فأبى الله إلا أن يُمْضِيَها وينصرَها ويظهرها على من ناوأَها، إنها كلمة من خاصم بها فَلَج، ومن قاتَلَ بها نُصِرَ، إنما يَعْرِفُها أهل هذه الجزيرة من المسلمين، التي يقطعها الراكب في ليال قلائلَ، ويسير الدهر في فئام من الناس لا يعرفونها ولا يقرّون بها).

وقوله: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى}. قال القرطبي: (قيل: الباء زائدة في قوله {بِهِ} أي يستمعونه. وكانوا يستمعون من النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن ثم ينفرون فيقولون: هو ساحر ومسحور، كما أخبر الله تعالى به عنهم، قاله قتادة وغيره. {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} أي متناجون في أمرك). قال مجاهد: (هي مثل قيل الوليد بن المغيرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015