لينزجر الظالمون عن الشرك بالله. إن الله هو الواحد الأحد الذي تسبح له السماوات والأرض ومن فيهن وهو الحليم الغفور.
فقوله: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ}. قال المهايمي: (أي من العلم المحكم الذي لا يتغير بشبهة). وقال القاسمي: (أي مما يحكم العقل بصحته، وتصلح النفس بأسوته). قال ابن كثير: (يقول تعالى: هذا الذي أمرناك به من الأخلاق الجميلة، ونَهيناكَ عنه من الصفات الرذيلة، مما أوحيناه إليك يا محمد، لتأمر به الناس).
وقوله: {وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا}. أي: ولا تشرك بالله في عبادتك فتلقى في جهنم ملومًا - تلومك نفسك وعارفوك من الناس - مُبْعدًا مقصيًا في النار. والخطاب للأمة على لسان نبيها المعصوم - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن عباس: ({مَلُومًا مَدْحُورًا} يقول: مطرودًا).
وقوله تعالى: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا}.
رَدُّ على مشركي العرب في قولهم: الملائكة بنات الله. قال ابن جرير: (يقول: أفخصكم ربكم بالذكور من الأولاد {وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا} وأنتم لا ترضونهن لأنفسكم، بل تئدونهن، وتقتلونهن، فجعلتم لله ما لا ترضونه لأنفسكم). قال القاسمي: ({إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا} أي بإضافة الأولاد إليه، وهي خاصة المحدثات. ثم بإيثاركم أنفسكم عليه، حيث تجعلون له ما تكرهون).
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا}. أي: ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من العبر والأمثال، والتذكير بالوعد والوعيد، لعلهم يذّكرون تلك الحجج والمواعظ فينزجروا عن تعظيم غير الله والشرك به والافتراء والظلم، ولكن الظالمين لا يزدادون بهذه الذكرى إلا بعدًا عن الحق وكبرًا وكفرًا.
وقوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا}.
قال قتادة: (يقول: لو كان معه آلهة إذن لعرفوا فضله ومرتبته ومنزلته عليهم، فابتغوا ما يقرّبهم إليه). قال: (لا تبغوا القُرب إليه، مع أنه ليس كما يقولون). قال ابن جرير: (- يقول -: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين جعلوا مع الله إلهًا آخر لو كان الأمر كما تقولون، من أن معه آلهة، وليس ذلك كما تقولون، إذن لابتغت تلك الآلهة القُربة من الله ذي العرش العظيم، والتمست الزُّلفة إليه، والمرتبة منه).