والمقصود: ذِكْرُ مآثر المؤمنين الذي فطموا أنفسهم عن المحارم والمآثم ابتغاء مرضاة الله تعالى وتعظيمًا لوجهه الكريم وحياءً منه، ثم إنهم أقاموا الصلاة بأركانها وفروضها وسننها وخشوعها، وأنفقوا مما رزقهم الله على من وجب عليهم الإنفاق عليهم من الزوجات والأولاد والأرحام والقرابات والفقراء والمساكين منْ زكاة مفروضة ونفقات واجبة أخرى، وذلك في الخفاء وفي الظاهر حسب طبيعة الحال.

وقوله: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} - أي يدفعون الإساءة ضدهم بالإحسان.

قال ابن زيد: (يدفعون الشر بالخير، لا يكافئون الشّر بالشّر، ولكن يدفعونه بالخير).

وفي التنزيل: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].

وقوله: {أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}.

هو كقوله تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 35].

قال ابن جرير: {لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}: هم الذين أعقبهم الله دارَ الجنان، من دارهم التي لو لم يكونوا مؤمنين كانت لهم في النار، فأعقبهم الله من تلك هذه. وقد قيل: معنى ذلك: أولئك لهم عَقِيبَ طاعتهم ربَّهم في الدنيا، دارُ الجنان).

وقوله: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ}.

أي: جنات إقامة - والعدنُ: الإقامة - يخلدون في نعيمها وروضاتها هم ومن كان معهم على الهدى والإيمان من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم.

قال الضحاك: ({جَنَّاتُ عَدْنٍ}، قال: مدينة الجنة، فيها الرسل والأنبياء والشهداء وأئمة الهدى، والناسُ حولهم، بعدد الجنات حوْلها).

وقوله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}.

أي: وتدخل الملائكة على هؤلاء المؤمنين في الجنان من كل باب من أبوابها، تسلم عليهم وتحمل لهم البشرى بما صبروا على إقامة الدين وجاهدوا في سبيل الله، بأن لهم الخلود في دار النعيم، فنعم دار القرار بعد دار الاختبار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015