فوائد من الآيات:
الفائدة الأولى: هدم الحاكم المسلم لأماكن المعصية وتجمعات النفاق، أو تغيير هيئاتها عما وضعت له، ولا حرمة لوقف إن بُني على معصية أو نفاق.
ومنه حرق النبي - صلى الله عليه وسلم - لمسجد الضرار وهدمه، والنهي عن استخدام مرافق ديار ثمود.
قال ابن القيم: (ومنها: تحريق أمكنة المعصية التي يُعصى الله ورسولهُ فيها وهدمُها، كما حرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسجد الضرار، وأمر بهدمه، وهو مَسْجدٌ يُصَلّى فيه ويذكر اسم الله فيه، لما كان بناؤه ضِرارًا وتفريقًا بين المؤمنين، ومأوى للمنافقين، وكلُّ مكان هذا شأنه، فواجب على الإمام تعطيله، إما بهدم وتحريق، وإما بتغيير صورته، وإخراجه عما وُضِعَ له. وإذا كان هذا شأن مسجد الضرار، فمشاهد الشرك التي تدعو سدنتها إلى اتخاذ من فيها أندادًا من دون الله أحق بالهدم وأوجب، وكذلك محال المعاصي والفسوق كالحانات، وبيوت الخمارين، وأرباب المنكرات).
ثم قال: (ومنها: أن الوقف لا يصح على غير برٍّ ولا قُربة، كما لم يصحَّ وقفُ هذا المسجد، وعلى هذا: فيُهدم المسجد إذا بني على قبر، كما يُنْبَشُ الميتُ إذا دُفِنَ في المسجد، نصّ على ذلك الإمام أحمد وغيرُه، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجدٌ وقبر، بل أيّهما طرأ على الآخر، منع منه، وكان الحكم للسابق).
الفائدة الثانية: كراهة الصلاة خلف إمام الحاكم الظالم.
وقد استفاده أهل العلم من قصة مسجد الضرار وإمامه.
قال القرطبي في التفسير: (قال العلماء: إنَّ مَنْ كان إمامًا لظالم لا يُصَلّى وراءه، إلا أن يظهر عذره أو يتوب، فإن بني عمرو بن عوف الذين بنوا مسجد قباء سألوا عمر بن الخطاب في خلافته ليأذن لمجمِّع بن جارية أن يصلي بهم في مسجدهم، فقال: لا ولا نعْمَة عين! أليس بإمام مسجد الضرار! فقال له مُجَمِّع: يا أمير المؤمنين، لا تعجل عليَّ، فوالله لقد صليت فيه وأنا لا أعلم ما قد أضمروا عليه، ولو علمت ما صليت بهم فيه، كنت غلامًا قارئًا للقرآن، وكانوا شيوخًا قد عاشوا على جاهليتهم، وكانوا لا يقرؤون من القرآن شيئًا، فَصَلّيْتُ ولا أحسب ما صنعتُ إثمًا، ولا أعلم بما في أنفسهم، فعذره عمر وصدّقه وأمره بالصلاة في مسجد قباء).