وقال القرطبي: (بيّن أن بناء الكافر كبناء على جرف جهنم يتهور بأهله فيها. والشّفا: الشفير. وأشفى على كذا أي دنا منه). وقال أيضًا: (الشفا: الحرف والحد. و {جُرُفٍ} قُرئ برفع الراء، وأبو بكر وحمزة بإسكانها، قال: والجُرُف: ما يُتجرّف بالسيول من الأودية، وهو جوانبه التي تَنْحَفِرِ بالماء، وأصله من الجَرْف والاجتراف، وهو اقتلاع الشيء من أصله. {هَارٍ} ساقط، يقال: تهور البناء إذا سقط، وأصله هائر، فهو من المقلوب يقلب ويؤخر ياؤها).
وقوله تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
أي: لا يزال بنيان هؤلاء المنافقين في مسجد الضرار شكًا في قلوبهم ونفاقًا في نفوسهم إذ يحسبون أنهم ببنائه محسنون، إلا أن تتصدع قلوبهم فيموتوا والله عليم بما بنوا وبما بَيَّتوا، حكيم في فضحهم بقرآن يتلى إلى يوم القيامة، ثم بمجازاتهم يوم يلقونه.
قاد ابن عباس: ({لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ}، يعني: شكًا، {إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ}، يعني الموت).
وقال قتادة: (حتى يموتوا).
وقال الحسن: ({رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ}: شكًا في قلوبهم).
وقال مجاهد: ({إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ}، قال: إلا أن يموتوا).
قال النسفي: (أي إلا أن تقطع قلوبهم قطعًا وتفرق أجزاء فحينئذ يسلون عنه، وأما ما دامت سالمة مجتمعة فالريبة باقية فيها متمكنة، ثم يجوز أن يكون ذكر التقطع تصويرًا لحال زوال الريبة عنها، ويجوز أن يراد حقيقة تقطيعها وما هو كائن منه بقتلهم أو في القبور أو في النار، أو معناه إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندمًا وأسفًا على تفريطهم).
وقرأ بعض قراء الحجاز والمدينة والبصرة والكوفة: (إلا أن تُقَطَّعَ قلوبهم) بضم التاء. في حين قرأ بعض قرأة المدينة والكوفة: {إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} بفتح التاء، بمعنى إلا أن تتقطَعَ قلوبهم، ثم حذفت إحدى التاءين، وكلاهما قراءتان مشهورتان.