الفائدة الثالثة: لا تصلى جماعتان في مسجد واحد بإمامين، ولا يبنى مسجدان إلى جانب بعضهما دون حاجة.
قال القرطبي: (قال علماؤنا: لا يجوز أن يُبْنَى مسجد إلى جنب مسجد، ويجب هدمه، والمنع من بنائه لئلا ينصرف أهل المسجد الأول فيبقى شاغرًا، إلا أن تكون المحَلّة كبيرة فلا يكفي أهلَها مسجدٌ واحد فيبنى حينئذ.
ثم قال: تَفَطَّنَ مالك رحمه الله من هذه الآية فقال: لا تصلى جماعتان في مسجد واحد بإمامين، خلافًا لسائر العلماء.
وقد رُوي عن الشافعي المنع، حيث كان تشتيتًا للكلمة وإبطالًا لهذه الحكمة وذريعة إلى أن نقول: من يريد الانفراد عن الجماعة كان له عذر فيقيم جماعته ويقدم إمامته فيقع الخلاف ويبطل النظام، وخفي ذلك عليهم) (?).
111 - 112. قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)}.
في هذه الآيات: إخبار الله تعالى عن صفقة رابحة عقدها سبحانه مع المؤمنين، فقد بايعهم فأغلى لهم الثمن بمعاوضته إياهم عن أنفسهم وأموالهم الجنة، فهم يقاتلون في سبيله فيَقْتُلون ويُقتلون، وهذا وعد مكتوب في التوراة والإنجيل والقرآن، فمن أحسن وفاء وأصدق عهدًا من الله، فاستبشروا يا أهل الصدق والجهاد بهذا الربح العظيم.
ثم في الآيات وَصْفٌ من الله لهؤلاء المؤمنين أصحاب تلك الصفقة بنعت بعض مزاياهم ومحاسنهم مع تأكيد البشرى لهم.