وقال السدي: (استنصحوا الرجال، وتركوا كتاب الله وراء ظهورهم).
قلت: والأحبار علماء اليهود، جمع (حَبْر) بكسر الحاء وفتحها. وهو العالم بتحبير الكلام وتحسينه، والرهبان جمع راهب بمعنى المتعبد الخاشع الزاهد، وأصل الترهب عند النصارى، التخلي عن أشغال الدنيا وترك ملاذّها، والزهد فيها، والعزلة عن أهلها.
وفي الحديث: [تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ولا تكونوا كرهبانية النصارى] (?).
أخرج الترمذي من حديث عدي: [أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} على عدي بن حاتم الطائي، فقال: يا رسول الله، لسنا نعبدهم. قال: أليس يُحلّون لكم ما حرم الله فتحلونه، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ قال: بلى. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فتلك عبادتهم] (?).
وأخرج الإمام أحمد في المسند، وابن إسحاق في السيرة من حديث عدي بن حاتم - وكان قد هرب من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قيصر بالشام بعد حنين، ثم لحقته أخته ونصحته بالرجوع وحدثته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعفوه وكرمه - قال: [فاتيته وهو جالس في المسجد، فقال القومُ: هذا عديُّ بن حاتم، وجئتُ بغير أمان ولا كتاب، فلما دُفعت إليه، أخذ بيدي، وقد كان قبل ذلك قال: إني أرجو أن يجعل الله يدَه في يدي. قال: فقام لي، فلقيتْهُ امرأة، ومعها صبي، فقالا: إن لنا إليك حاجة، فقام معهما حتى قضى حاجتهما، ثم أخذ بيدي حتى أتى داره، فألقت له الوليدة وسادة، فجلس عليها، وجلست بين يديه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما يُفِرُّكَ؟ ! أَيُفِرُّكَ أن تقول: لا إله إلا الله، فهل تعلم من إله سوى الله؟ قال: قلت: لا. قال: ثم تكلم ساعة، ثم قال: إنما تَفِرُّ أنْ يُقالَ: الله أكبر، وهل تعلم شيئًا أكبرُ من الله؟ قال: قلت: لا. قال: