لا تحل لأحد سود الرؤوس غيركم، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إذا غنموا غنيمة جمعوها ونزلت نار فأكلتها، فأنزل الله هذه الآية: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}] (?).
قال ابن جرير: (قوله: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}: لولا قضاء من الله سبق لكم أهل بدر في اللوح المحفوظ، بأن الله مُحِلٌّ لكم الغنيمة، وأن الله قضى فيما قضى ألا يُضِلَّ قومًا بعد إذ هداهم حتى يبيِّنَ لهم ما يتقون، وأنه لا يعذب أحدًا شهد المشهد الذي شهدتموه ببدر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناصرًا دينَ الله، لنالكم من الله بأخذكم الغنيمة والفداء عذاب عظيم).
فاشتملت الآية على المعاني الآتية:
1 - قضاء الله عز وجل في اللوح المحفوظ ألا يعذب أهل بدر.
2 - قضاء الله تعالى ألا يضل قومًا بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون.
3 - قضاء الله سبحانه الذي سبق بإحلال الغنيمة لأهل بدر ولهذه الأمة.
قال ابن عباس: (وكانت الغنائم قبل أن يبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأمم إذا أصابوا مغنمًا جعلوه للقربان وحرم الله عليهم أن يأكلوا منه قليلًا أو كثيرًا).
وقال الحسن: (وكان الله تبارك وتعالى قد كتب في أم الكتاب: المغنم والأسارى حلال لمحمد وأمته، ولم يكن أحله لأمة قبلهم).
وفي كنوز السنة الصحيحة آفاق هذا المعنى، في أحاديث:
الحديث الأول: في صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [فُضِّلْتُ على الأنبياء بست: أُعْطِيتُ جوامعَ الكلم، ونُصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجُعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأُرْسِلْتُ إلى الخلق كافة، وخُتِمَ بي النبيون] (?).
الحديث الثاني: يروي الطبراني بسند صحيح عن السائب بن يزيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [فضلتُ على الأنبياء بخمس: بُعِثْتُ إلى الناس كافة، وادخرت شفاعتي لأمتي، ونصرت بالرعب شهرًا أمامي وشهرًا خلفي، وجُعلت لي الأرض